يقول المفكر الإسلامي "مالك بن نبي" في سلسلة كتاباته "مشكلات الحضارة": والطريقة الوحيدة التي يصبح بها المبدأ أو الفكرة جزءاً من التاريخ هي أن يتحوّل إلى (عمل)، إلى دافع عمل، إلى طاقةٍ عملية، إلى إمكانية عمل.
على هذه القاعدة انتفض الثائرون في مخيم جنين فجر هذا اليوم الاثنين الثالث من يوليو تموز دفاعاً عن أرضهم وإخوانهم على ثرى هذه الأرض الفلسطينية ليغيّروا مجدداً مجرى التاريخ بالعمل البطولي المقاوم الذي سطروه بدمائهم في الميدان، وراكموه بحبّات عرقهم من خلال مشوار الإعداد الطويل وصولاً إلى قدراتهم التي قد تبدو محدودةً –من وجهة نظر البعض- لكنها أسطوريةً بالنظر إلى تعقيدات المشهد البالغة في عموم الضفة المحتلة.
أعلن الكيان الصهيوني عن عمليته العسكرية الموسعة والتي قد تستمر مدة اثنين وسبعين ساعةً حسب تصريحات قادته. بدأت العملية بقصفٍ جويّ مكثفٍ على أهداف في مدينة جنين ومخيمها مدعياً أنها مواقع رصد ومخازن للسلاح والذخيرة محاولاً من خلال ذلك ضرب البنية التحتية للمقاومة والقضاء على مقدراتها. وقد رافق ذلك اقتحامٌ بريّ بعشرات الآليات والمركبات التي قامت بمداهمة البيوت وخاضت عملية اعتقالاتٍ وبحثٍ عن مطلوبين لديها. هذه العملية تأتي في سياق جملةٍ من المتغيرات التي يمكن رصدها بعضها على النحو التالي:
1. أبرز تلك المتغيرات هنا هو الزخم الذي حققته المقاومة من خلال فعلها في عموم مدن الضفة وفي جنين على وجه الخصوص، حيث مثّلت كتيبة جنين تشكيلاً عسكرياً يتطور يوماً بعد يوم، وكياناً ملهماً لبقية مدن الضفة وقراها. هذه الحالة تمثل هاجساً مقلقاً للقيادة الصهيونية مما يجعلها تفكر في إنهائها دون مزيدٍ من إضاعة الوقت.
2. ما تم رصده إسرائيلياً من محاولات المقاومة الفلسطينية لتطوير أدواتها الميدانية من خلال استخدام العبوات الناسفة ومحاولات إطلاق صواريخ، إضافةً إلى المعلومات المسربة التي تقول بوجود مختبراتٍ للتجريب وورشٍ للتصنيع يجعل الكيان الصهيوني لا يقف مكتوف اليدين أمام تنامي تلك القوة المضطرد وساعياً بشكل حثيث لترميم قوة الردع لديه عبر ضرباتٍ استباقيةٍ تعيد الأمور إلى حالة الاستقرار المنشود.
3. حالة الضغط المتواصل التي يمارسها أقطاب حكومة الائتلاف، بن غفير وسموترتش، على نتنياهو لتنفيذ عملية عسكرية شاملة في شمال الضفة للحدّ من تصاعد أعمال المقاومة والقضاء على إمكانية تطورها جعل فرصة الاستجابة كبيرة وذلك أملاً منه في الحفاظ على الحكومة المترنحة القائمة على عمليات الابتزاز المستمر وتحصيل مكتسباتٍ لصالح اليمين المتطرف.
كل هذه المتغيرات وغيرها يجعل الخطوات الصهيونية محمومةً نحو تحقيق هذه العملية العسكرية أهدافها، ويبقى الرهان دوماً على تاريخ هذا الشعب الفلسطيني الصامد والذي قال في غير مناسبة أنه عصيٌّ على الانكسار أبيٌّ لا يقبل الاحتواء، وقد برهنت مدينة جنين ومخيمها في مناسبات سابقة بأنها كانت وستظل الحصان الأسود في الضفة الفلسطينية الذي يمكن التعويل عليه لكسب السباق من خلال تسجيل صمودٍ ملحميّ في المعركة الدائرة، وإلهامٍ منتظر لبقية مناطق الضفة واستفزازٍ إيجابي للأسود الرابضة في عرينها تنتظر ساعة الصفر بفارغ الصبر!!