ليست بحاضرها بعيدة عن تاريخها، فهي التي احتضنت في أحشائها أول طلقة حسمت العلاقة بين الشعب الفلسطيني ومحتله البريطاني، وأكدّت أنه لا خيار لهذا الشعب سوى المقاومة والمواجهة بالرصاص، بعد سنوات من الرهان على البريطاني بوصفه صديق مزعوم للشعب الفلسطيني.
في أحراش يعبد احتضنت التدريب الأول لهذه المجموعات التي رسخّت العمل الثوري في مسار الشعب الفلسطيني، فكان الشيخ عز الدين القسام، ورفيق دربه وصاحبه ابن جنين الحاج فرحان السعدي.
في هذا التقرير، نستعرض سير أبرز القادة التاريخين الذين أنجبتهم جنين وشكلوا فواصل في العمل المقاوم خلال السنوات الماضية.
الحاج فرحان السعدي
عندما حاصرت قوات الانتداب البريطاني أحراش قرية يَعبَد جنوبي مدينة جنين، وقتلت الشيخ عز الدين القسام في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، ظنّت أن معه ساعده الأيمن الشيخ فرحان السعدي، لكنه أفلت من الاغتيال ليقود لاحقا مشروعه النضالي وهو على مشارف الثمانين من عمره. وفيما يشبه الانتقام، حوكم عسكريا وأعدم في 27 نوفمبر/تشرين ثاني 1937، بعد 5 أيام من اعتقاله.
ولد القيادي والمقاوم الفلسطيني الشيخ فرحان أحمد إبراهيم السعدي عام 1858، لعائلة من أصول حجازية في قرية المَزار التي ظلت حتى عام 1948 تابعة لمدينة جنين، لكنها أصبحت بعد النكبة ضمن الأراضي المحتلة عام 1948.
شارك السعدي رحلة القسام ودعواته للجهاد والثورة في أرياف فلسطين، وعمل على جمع السلاح وتدريب عناصر المقاومة في الجبال القريبة من المزار، لكنه اعتقل إبان ثورة البراق وأمضى 3 سنوات بين سجني عكا ونور شمس.
من أشهر عمليات السعدي ورجاله عملية وقعت على أراضي قرية "الفَندقُومية" بين نابلس وجنين في 30 يونيو/حزيران 1936، وأدت إلى مقتل أكثر من 30 جنديا بريطانيا، واستشهاد 3 من الثوار.
يعتبر السعدي من أوائل من أطلقوا الرصاصات الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة، ولم يكتف بأن يكون قائدا منظرا بل كان مشاركا في التخطيط والتنفيذ الميداني.
ولا تزال عائلة السعدي تتصدر العوائل التي ضحّت بالعشرات من أبنائها في مسيرة المقاومة والتحرير.
يوسف سعيد صالح أبو درة الجرادات
حد قادة الثورة الفلسطينية الكبرى 1936–1939. ولد في قرية سيلة الحارثية قضاء جنين وتلقى دراسته الأولية في مدرستها واشتغل في الزراعة لبعض الوقت ولكنه اضطر إلى الانتقال إلى مدينة حيفا حيث عمل في السكة الحديد.
تعرف على الشيخ عز الدين القسام واعجب به وانضم إلى حلقته واشترك معه في معركة احراج يعبد التي استشهد فيها القسام مع نفر من أصحابه.
وقد استطاع أبو درة ان يفلت من الطوق الذي ضربته القوات البريطانية حول الأحراج واختفى من الأعين بعض الوقت.
وحين بدأت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 م التحق أبو درة بها تحت قيادة الشيخ عطية أحمد عوض قائد منطقة جنين، وهاجم ورفاقه المستعمرات والقلاع البريطانية والصهيونية في المنطقة المعتمدة ما بين جنين وحيفا.
عندما توقفت الثورة عام 1939م انسحب إلى دمشق ثم الأردن فاعتقلته دورية من الجيش الأردني وهو في الطريق واحتجز لفترة في الكرك ثم سلمه الجنرال غلوب باشا إلى سلطة الانتداب البريطاني التي حكمت عليه بالإعدام وقد نفذ فيه الحكم في الأردن ونقل جثمانه إلى القدس حيث تم تسليم الجثمان إلى أهل الشهيد ومن ثم إلى مثواه الأخير في السيلة الحارثية ودفن فيها في 1940.
عبد الله عزام
الشيخ عبد الله عزام الملقب بإمام الجهاد، ولد طلع الأربعينيات في قرية السيلة الحارثية بجنين شمالي الضفة الغربية، وسرعان ما وقعت النكبة، فتركت ندبة في وعيه حملها معه حتى آخر حياته.
انتقل من خيم الشيوخ التي كانت تقاتل مع حركة فتح، إلى قيادة الجهاد العالمي، عبر تجنيد المجاهدين لتحرير أفغانستان، في رؤية كان يتطلع الشيخ عبرها إلى قيادة المجاهدين حول العالم نحو تحرير فلسطين.
وبينما أعاد في آخر عامين من حياته استثمار نفسه في النضال الفلسطيني، ولا سيما مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، لاقت أفكاره صدى في فلسطين، ولا سيما لدى شباب التيار الإسلامي الذين انخرطوا في صفوف الانتفاضة. حتى أن الجهاز العسكري لحركة حماس وعند تأسيسه الأول حمل اسم كتائب الشهيد عبدالله عزام.
تعرض الشيخ لعملية اغتيال بوضع عبوة ناسفة في سيارته، ليرتقي مع نجليه محمد وإبراهيم في باكستان.
الشيخ الأسير المحرر خضر عدنان
ولد المجاهد والأسير المحرر/ خضر عدنان محمد موسى في بلدة عرابة بمحافظة جنين في 24/3/1978م.
افتتح مخبزاً متواضعاً خاصاً به في بلدة قباطية بمحافظة جنين لكي يعتاش منه وذلك في ظل عدم حصوله على وظيفة بسبب الانتماء السياسي.
خاض تجربة الإضراب الفردي وأرغم الاحتلال أـكثر من مرة الافراج عنه بعد خوضه تجربة الاضراب المفتوح عن الطعام، حتى ارتقى في العام 2023، بعدما خاض تجربته الأخيرة في الإضراب وتركه الاحتلال ليلقى مصيره شهيدا.
أبو جندل
"أبو جندل" هي كنية الشهيد البطل يوسف ريحان "أبو محمد"، أحد قادة مخيم جنين القسام، وقائد في جهاز "الأمن الوطني"، لكنه كان صاحب رؤية لمفهوم أمن الوطن الذي لا يمكن أن يتحقق إلّا بمقاومة الاحتلال لا بالتعاون والتنسيق الأمني معه.
ولد الشهيد في قرية يعبد عام1965م، انضم إلى صفوف الثورة في الخارج وعاد مع قوات الأمن إلى الضفة المحتلة عام 1996م، ليعمل مدربًا لقوات الأمن الوطني فيها. وبزغ نجمه في انتفاضة النفق التي اندلعت عام 1996م، قبل أن يطارد بعد قتله جنديًا (إسرائيليًا) على أحد الحوجز في بداية الانتفاضة الثانية، وتوجه بعدها إلى مدينة جنين التي أصحبت معقلًا للمقاومة الفلسطينية بالضفة.
ولجأ الشهيد إلى مخيم جنين الذي شهد أعنف المعارك التي دارت بين قوات الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية ، وقد استمرت المعركة قرابة 15 يومًاـ استشهد خلالها 55 مواطنا من المخيم، فيما أوقع أبطال المقاومة عشرات القتلى في صفوف الجيش (الإسرائيلي) الذي اعترف حينها بمقتل 23 جنديا.
القيس عدوان
في مدينة جنين لعام 1977، ولد الشهيد قيس عدوان أبو جبل، المكنى بـ "أبي طارق" نسبة إلى طارق بن زياد فاتح الأندلس وشمال إفريقيا، لأسرة كريمة ترجع جذورها لقرية "سيريس" في مدينة جنين، عرفت الصبر على البلاء، وآمنت بالإسلام منهج حياة، مما أثر في نشأة المهندس قيس عدوان، وإلتزامه في صفوف الدعوة الإسلامية منذ نعومة أظفاره.
وفي العام 2000 عند اندلاع إنتفاضة الأقصى المباركة أنتخب قيس عدوان رئيساً لمجلس إتحاد طلبة جامعة النجاح الوطنية، الذي أصبح فيما بعد ثلاثاً من أعضائه شهداء ومن تبقى تحول إلى مطارد للاحتلال الصهيوني وللسلطة الفلسطينية .
ثم إنتقل قيس عدوان إلى محج الثائرين "مخيم جنين" حيث عمل على تطوير العبوات الناسفة، وبناء الخطط المحكمة للدفاع عن المخيم في حال تعرض للإجتياح.
لم يتوقف شهيدنا عند تطوير العبوات والأحزمة الناسفة ولكن وضع الخطط الكفيلة باقتحام المغتصبات الصهيونية، فكان إقتحام معسكر "تياسير" الصهيوني من قبل الإستشهاديان صالح كميل وأحمد عتيق التجربة النوعية الأولى من إخراج وتخطيط المهندس قيس عدوان.
الطوالبة
ولد الشهيد القائد الشيخ محمود أحمد محمد طوالبة (أبو عبد الله) في أحضان مخيم جنين بتاريخ 19/3/1979م، لأسرة فلسطينية مجاهدة مكونة من 9 أفراد بالإضافة لوالديه، وكان ترتيبه الرابع في أسرته التي لجأت إلى مخيم جنين بعد نكبة عام 1948م، بعد أن دمر الاحتلال منازلهم وشردهم من قريتهم نورس القريبة من مدينة حيفا.
أصبح القائد محمود طوالبة بعد عدد من العمليات الاستشهادية التي أدت لمقتل وإصابة عشرات الصهاينة أحد أخطر المطلوبين للعدو الصهيوني بالضفة الغربية المحتلة
بعد مقاومة عنيفة وضارية من المجاهدين استمرت لعدة أيام خلال معركة جنين البطولية، وفي يوم الاثنين الموافق 8-4-2002م، استطاع العدو الصهيوني تشخيص المكان الذي يتواجد فيه القائد محمود طوالبة وبرفقته مجموعة من المجاهدين، وصب العدو جحيم ناره بصواريخ "الأباتشي" ومدافع الدبابات على المكان الذي تواجد فيه القائد محمود طوالبة مع عدد من المجاهدين، مما أسفر عن استشهاد القائد طوالبة مع العديد من إخوانه الأبطال.
نصر جرار
ينحدر الشيخ نصر خالد جرار من منطقة وادي برقين أحد ضواحي جنين ، و هو من مواليد عام 1958 . تربى في عائلة مثقفة متعلمة ملتزمة ، كان في شبابه متّقدا قلبه بحب وطنه الذي تمنى كثيرا أن لا يلمح به مستعمر ، حيث قام في عام 77 بإلقاء قنبلة مولوتوف على محطة باصات "إيجد" الصهيونية في منطقة جنين .
بدأت رحلة الشيخ المجاهد القسامي نصر مع السجن مبكرا و كانت في عام 1978، و في سجن جنين المركزي . و كما ورد في لائحة اتهامه في المحكمة الصهيونية على إقامة خلية مسلحة مجاهدة إسلامية الدوافع و التطلعات – و كان ذلك طبعا قبل انطلاق العمل المسلح من الحركات الإسلامية على شكله الحالي و من حركة حماس عام 87 ، إلا أنه اعتقل من قبل أجهزة الأمن الصهيونية في عام 78 بتهمة إلقاء قنبلة مولوتوف على شركة الباصات الصهيونية و محاولة تنظيم خلية إسلامية مسلحة و تنظيم مظاهرات ضد الاحتلال و حكمت عليه المحكمة العسكرية الصهيونية بالسجن لمدة عشر سنوات .
و في 1/1/2000 فشلت محاولة اغتياله بعد أن قامت قوات الاحتلال من جديد بتطويق منطقة سكناه في وادي برقين بحثا عنه حيث قامت أعداد كبيرة من القوات الخاصة الصهيونية بتطويق منزله إلا أنه استطاع الانسحاب من بين براثنهم بعد أن شعر بتحركاتهم .
استطاعت القوات الصهيونية بمساعدة عملائها الجبناء من اغتياله يوم الأربعاء الموافق 14/8/2002 في بلدة طوباس، وارتقى بعد هدم البيت عليه.
مازن فقها
الشهيد مازن من مواليد طوباس قضاء جنين في عام 1979، حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الاعمال من "جامعة النجاح" في نابلس.
في العام 2000م، أقدمت أجهزة السلطة في الضفة على اعتقاله ثلاث مرات، بتهمة مقاومة الاحتلال وامتلاك مواد متفجرة كان يهم الشهيد بنقلها إلى قيادة القسام في مدينة جنين.
بعد معركة جنين البطولية، أعاد الشهيد مازن برفقة الشهيد القائد نصر جرار بناء خلايا القسام في جنين بعد استشهاد عدد كبير منهم خلال المعركة.
وجه القائد "أبو محمد" صفعات قاتلة للعدو الصهيوني داخل الأراضي المحتلة، فأشرف على عملية (مفرق بات) الاستشهادية على مقربة من مغتصبة (جيلو) بالقدس عام 2002م، والتي قتل خلالها 19 صهيونياً وجرح العشرات، ونفذها الاستشهادي القسامي محمد هزاع كايد الغول من مخيم الفارعة المحاذي لطوباس.
حرر الشهيد فقهاء من سجون العدو الصهيوني في صفقة وفاء الأحرار القسامية عام 2011م وتزوج وأنجب طفلين، وارتقى في عملية اغتيال جبانة نفذتها قوات الاحتلال عام 2017م.