يبدو أن حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) أصبح لديها قناعة أن السبيل لوقف المقاومة المسلحة والحد من تصاعدها في مناطق شمال الضفة، لا بد أن يمر عبر أجهزة السلطة الفلسطينية، لاسيما بعد فشل العملية العسكرية الأخيرة في جنين.
ومن المقرر أن تبحث حكومة الاحتلال (الإسرائيلية) تقديم حزمة من (المساعدات والتسهيلات) للسلطة الفلسطينية، في اجتماع يعقده المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية الكابينيت، اليوم الأحد، وذلك في ظل "خطورة وضع السلطة وانهيارها المحتمل"، بحسب ما نقلت القناة 13 العبرية عن مصادر أمنية مطلعة لدى الاحتلال.
وكشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، عن أن وزير الحرب (الإسرائيلي) يوآف غالانت سيقدم في جلسة (الكابينت) اليوم وبدعم من نتنياهو مقترحات لمنح تسهيلات للسلطة الفلسطينية.
وذكرت الصحيفة العبرية أن التسهيلات تتضمن، إقامة منطقة صناعية جديدة وخصومات ضريبية، وإعادة تصاريح VIP لكبار قادة السلطة التي جرى سحبها منهم بداية العام الجاري، وتمديد ساعات العمل في معبر اللنبي، ووضع خطة لتعزيز السلطة الفلسطينية في مناطق الضفة.
وباتت مناطق شمال الضفة وخاصة مدينة جنين ونابلس تشكل قلقا للمنظومة الأمنية (الإسرائيلية) في ظل تصاعد عمليات إطلاق النار ضد قوات الجيش والمستوطنين وتمركز مئات المقاومين داخل مخيم جنين الذي يعتبره جيش الاحتلال أنه أصبح ملاذا للمقاومين، في ظل غياب وضعف سيطرة السلطة فيه.
وتخشى قيادة الاحتلال امتداد هذه الحالة إلى باقي مناطق الضفة، على اعتبار أن المقاومة المسلحة في جنين باتت تمثل أيقونة ورمزية لدى الفلسطينيين، الذين يأسوا من مسار التسوية الذي تسلكه السلطة الفلسطينية، في ظل تمدد الاستيطان وإقامة البؤر الاستيطانية والهجمات المتكررة من قبل عصابات المستوطنين على القرى الفلسطينية والانتهاكات المتكررة بحق مدينة القدس والمسجد الأقصى.
وتعتقد حكومة نتنياهو أن العمل على تعزيز مكانة السلطة وتقوية أجهزتها الأمنية في تلك المناطق من شأنه أن يساعدها في ضبط إيقاع تنامي حالة المقاومة المتصاعدة وإعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية هناك.
وما لا يمكن إغفاله، أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بدأت الانتشار في ساعاتٍ متأخرة من ليلة أمس في مدينة جنين، كما حضرت تعزيزات من خارج المدينةِ، وذلك تزامنا مع ما ذكرته وسائل إعلام عبرية من أن رئيس السلطة محمود عباس، وبّخ الأجهزة الأمنية لتصاعد المقاومة في جنين وأمرهم بالانتشار الأمني فيها.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور تيسير محيسن، أن تقدم التسهيلات للسلطة قائم بشكل عملي منذ بداية السلطة على اعتبار أن وظيفتها في نظر الاحتلال وفق ما نص عليه اتفاق أوسلو للتسوية أنها أداة للحفاظ على الأمن بالمناطق الفلسطينية، والحيلولة دون وجود أي مهددات للاحتلال فيها.
ويوضح محيسن في حديثه لـ (الرسالة) أن المقاومة في الضفة بدأت تنشط في الآونة الأخيرة بشكل واضح في ظل اتساع الفجوة بين الشارع الفلسطيني ومنهج السلطة والذي انعكس على عجز السلطة عن القيام بمهامها، وهو ما دفع الاحتلال للقيام بنفسه لتحييد المهددات التي عجزت السلطة عن تحييدها وخاصة في شمال الضفة.
ويبين أن المقاومة تجد اتساعا في دائرة التعاطف والاحتضان لها ولخيارها في مقابل العزوف عن دعم السلطة وبرنامجها خلال السنوات الأخيرة.
ويلفت إلى أن الاحتلال يرى في تعزيز مكانة السلطة تخفيض التكلفة على جيش الاحتلال بتنفيذ ما يرغب به من وقف تصاعد المقاومة، لذلك ذهب للبحث في تجاه تقديم تسهيلات وتقوية للسلطة.
ويشير محيسن إلى أن تعليمات رئيس السلطة لأجهزته الأمنية بالانتشار في مناطق جنين اليوم وإعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية فيها، يأتي في هذا الإطار.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن هناك جانبا عكسيا لهذه التسهيلات والمساعدات التي ينظر لها الشارع الفلسطيني على أنها شراء للذمم ومزيد من الخرق والتهشيم في سمعة السلطة من قبل الاحتلال؛ بغرض القيام بدور مشبوه وغير وطني تجاه شعبنا من أجل حماية الاحتلال ومستوطنيه.
ويعتبر الكاتب والمختص في الشأن (الإسرائيلي) الدكتور صالح النعامي أن هناك هدفا إستراتيجيا تتعمّد (إسرائيل) التغطية عليه ويتمثل في أن القضاء على جيوب المقاومة في جنين وفي شمال الضفة الغربية عموما يحسن من قدرة السلطة الفلسطينية على إعادة سيطرتها على المنطقة.
ويشير النعامي إلى أن نتنياهو أكد بشكل لا لبس فيه أثناء إفادة له قبل أسبوع أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست بأن بقاء وتعزيز نفوذ السلطة الفلسطينية يعدّ مصلحة أمنية (لإسرائيل).
ويلفت إلى أن الهدف المعلن لاجتماعي "العقبة" و"شرم الشيخ" اللذين عقدا خلال الأشهر الخمسة الماضية، وشارك فيهما ممثلون عن (إسرائيل) والسلطة ومصر والأردن والولايات المتحدة، بحثا سبل تعزيز وتقوية مكانة السلطة الفلسطينية، تحديدا في شمال الضفة الغربية.