بات من المعروف أن الاكتئاب هو اعتلال عقلي يسبب لصاحبه الحزن والسلبية لفترة طويلة، عدا عن تعكر المزاج وضعف الاقبال على الحياة، فينا تختلط به مشاعر من القلق والتشاؤم وفقدان الطاقة والهدف.
ويعاني من الاكتئاب قرابة 300 مليون شخص حول العالم، ولكن الأسوأ من المرض، هو إنكار المجتمع والمحيط للمريض، وبحاجته للعلاج كغيره من المرضى بعلل أخرى.
وفي ظل زيادة اعداد المصابين ووصول عد منهم للانتحار، طرقت (الرسالة) باب الأخصائيين النفسيين للحديث عن الاكتئاب وأعراضه ودور المحيطين بالمريض في التخفيف من التبعات.
متى نذهب
يقول الدكتور عايش سمور مدير عام الادارة العامة للصحة النفسية وزارة الصحة في غزة: "هناك الكثير من الأمراض الجسدية التي يكون أصلها مرض نفسي، بل لا نبالغ إذا قلنا إن معظم الأمراض أساسها المرض النفسي".
ويلفت سمور إلى أن أهم الأعراض التي يجب على المريض بعدها استشارة طبيب نفسي هي شعوره بعدم التركيز لفترات طويلة، وبأن هذا التشويش قد أدى لتعطل وظائفه اليومية، وبات لا يستطيع التحصيل أو التركيز، ولا يفضل الجلوس مع الآخرين، دائما مستفز وقابل للشجار معهم.
قد يتطور الأمر أيضا إلى هلوسات، فيبدأ المريض يفقد القدرة على السيطرة على كلماته ويبدأ يقول كلمات صنعها خياله وهنا يأت دور المحيطين به وفق سمور.
ويضيف: "المريض لن يعترف ولن يلاحظ وجود مشكلة، بل على من يعيشون مع المريض أن يأخذوه فورا إلى الطبيب النفسي لاستدراك الأمر قبل أن يتحول من اضطراب عصبي عابر يمكن علاجه، إلى اضطراب عقلي صعب لا يمكن علاجه.
ويشير سمور إلى أن الأمر حينما يتطور تكون أعراضه صعبة: عدم توازن في الكلام، الحديث من الخيال، شكوك دائمة في تصرفات الآخرين وعلى الأغلب يأتي بعد موقف مؤلم أثر عليه.
الأهل والمحيط
ويكمل سمور: مريض الاكتئاب يعرف أن لديه مشكلة، ولا يستطيع تحمل الأفكار التي تدور في عقله، لذلك فإن الانتحار نتيجة متأخرة ومرتبطة بعدم تفاعل المحيطين بالمريض معه وأخذه على محمل الجد والتعاون معه لعلاجه.
ويكد سمور أن المرض العقلي كأي مرض، والعقل كأي عضو في الجسم قد يصيبه الاضطراب، كالعين، والعظام، وأي مرض نركض مسرعين إلى الطبيب لعلاجه، ولكن العلاج النفسي غاليا إذا اعترفت به العائلة وأتت بابنها إلى العيادة، لا تلتزم بإكمال العلاج، مع أنه علاج يحتاج إلى فترة طويلة.
ما سبق أكده كذلك استشاري الطب النفسي يوسف عوض الله في مقابلة (الرسالة) حيث لفت إلى أن أكبر معيق لعلاج مرضى الاكتئاب أو المرضى النفسيين بشكل عام هو الوصمة، خجل العائلة، وخجل المريض نفسه واستهتارهم بالعلاج، لافتا إلى أن علاج الاكتئاب يحتاج إلى تكلفة عالية، وإلى فترة زمنية طويلة " سنة على الأقل" ولا يملك الجميع النفس الطويل للعلاج.
الأعراض التسعة
ويوضح عوض الله أن هناك تسعة أعراض يجب أن تستمر على الأقل لمدة أسبوعين مع المريض والتي تدعو إلى التفكير في اصابته بالاكتئاب وهي :" المزاج الحزين بشكل دائم، فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، أرق، فقدان الشهية، نقصان ملحوظ بالوزن، الشعور بالدونية وتحقير الذات، فقدان التواصل مع المحيط الخارجي، الأفكار الانتحارية"
ولكن الوصول إلى مرحلة الانتحار يأتي بعد المرور بمراحل عديدة من الاكتئاب حسب عوض الله، فأوله بسيط وأوسطه متوسط، ثم شديد، ثم شديد مرتبط بالذهان، وهي المرحلة التي تدفع صاحبها للتفكير بالانتحار.
ويرى عوض الله أن كل هذه الأسباب وغيرها يمكن أن تؤدي إلى الانتحار وزيادة الاكتئاب، خاصة ما نواجه في قطاع غزة، مضيفا:" البطالة يمكن أن تكون سبب، والأزمات العائلية، أزمات العمل، الوضع العام ، كل تلك الأسباب مجتمعة يمكنها أن تعزز فكرة الإصابة بالاكتئاب، كما يجب أن نعرف أن المكتئب يتعرض لتغيرات كيميائية في جسده، لذلك نقوم بإعطائه أدوية معينة لعلاج هذه التغيرات شأنه شأن أي مرض آخر ويلزمه العلاج.
وحذر عوض الله من الذهاب للعلاج التقليدي" الشعبي" ، لافتا إلى أن 7 من 10 ممن يأتون للعيادة لديه يكونون قد ذهبوا للعلاج التقليدي مسبقا، ويضيف محذرا:" في تقرير وزارة الصحة العالمية تتوقع فيه أن يكون الاكتئاب في عام 2030 هو المسبب الأول للإعاقة في العالم .
الاكتئاب... المرض الذي لا يعترف بخطورته المجتمع
الرسالة نت- رشا فرحات