غزة/ كمال عليان
عندما يكون أطفالنا في السنوات الأولى من أعمارهم نتمنى نطقه، وتكون سعادتنا غامرة عندما تخرج الكلمات متكسرة ومبعثرة تحتاج لمن يترجمها, وتكبر الفرحة إذا أصبح هذا الطفل مشاركاً في الحديث بتلقائية وعفوية.
ورغم هذه الفرحة يأتي وقت نتمنى فيه أن يصمت الطفل ويغلق فمه على ما يسمع من حديث, وذلك عندما يبدأ الطفل بنقل أسرار البيت إلى المحيط الخارجي ويتحول لوكالة أنباء مجانية..
طريقة الأكل
وفي هذا السياق تقول الأم عائشة ناصر:"عندما كان طفلي في نهاية سنته الأولى وبدأ ينطق بعض الحروف لم تسعن الدنيا من الفرحة..وكنت أسمع جميع أحرفه وهي تتعثر عند خروجها من فمه فقد حرصت على تدريبه على الكلام.
وتضيف :" عندما بلغ الثالثة كان متحدثاً جيداً من الناحية اللفظية، وكنت أنا أول المتضررين من ذلك، فقد شكوت مرة لأمي بعض عيوب زوجي, ومن ضمن العيوب التي ذكرتها طريقته في تناول الطعام وكل هذا كان تحت سمع ابني الذي كان يلعب بألعابه في ذلك الوقت..
وتتابع السيدة ناصر: لكني اكتشفت أن أذنه كانت معنا عندما جلست مع والده على المائدة، حينما قال لوالده:"كل بشكل جيد.. ماما تقول للجدة أنك ما تعرف تأكل.. فدب على إثر ذلك شجار بيني وبين والده"!.
سر الخطبة
أما أم محمد فتذكر أن إحدى بناتها تخطت الثلاثين من العمر ولم تتزوج رغم كثرة خطابها، وقالت: في كل مرة تعلن خطبتها ثم تلغى.
وتتابع أم محمد :" في إحدى المرات خطبت ابنتي وقررنا أن نتكتم على الموضوع حتى يتم عقد القران ويقرب وقت الزواج فنعلن الخبر للجميع، وأثناء استعداداتنا ، فوجئت بحماة احدى بناتي تتصل بي لتبارك خطبة ابنتي وتبلغني تهاني جميع أفراد أسرتها، وبعد أن أغلقت السماعة اتصلت مباشرة بابنتي لتأنيبها على نشر الخبر رغم اتفاقنا أن يكون سراً بيننا، فقالت إنها لم تبلغ أحدا..
أم محمد اكتشفت بعد البحث أن إفشاء السر كان على لسان حفيدتها البالغة من العمر أربع سنوات، ولم تكتف بإبلاغ جدتها وعماتها، بل أخبرت جميع سكان العمارة ليستعدوا لزواج خالتها!!
وتعتبر جواهر المصري أن ابنتها الصغيرة البالغة أربع سنوات وكالة أنباء حقيقية فكل ما يدور في البيت يصل لكل أقاربهم وقالت:" إن الجميع يعرفون راتب زوجي وراتبي والأقساط التي ندفعها وما يمر بنا من أزمات وأفراح ومشاكل وخطط".
وتضيف المصري:" لقد ضربتُ ابنتي أكثر من مرة بسبب هذا الأمر ولكن دون جدوى، وهددها والدها مراراً بالعقوبة دون فائدة.
علم الطفولة
في هذا السياق أكد د. فضل أبو هين أستاذ علم النفس على أن الطفل في سن عامين أو ثلاثة غير مسئول عن تصرفاته، مضيفا:" نحن كآباء نطلب من أطفالنا الكلام ونشجعهم على ذلك في المرحلة الأولى من عمرهم، فإذا طلبنا منهم ألا يتكلموا بعد ذلك لأي سبب قد تحدث لديهم بلبلة".
وأوضح أبو هين أنه من الصعب تلقين الطفل الكلام الذي يجب أن يقوله أمام الغرباء، فهذا قد يسبب له شرخاً ويجعله غير قادر على التعامل مع الآخرين مستقبلاً.
ويضيف :" إن بعض الأهل يستغلون الأطفال كجواسيس، فالأب قد يستعمل الطفل للحصول على معلومات عن والدته والعكس وهذا يربي حب نقل الكلام والمعلومات لدى الطفل، لا سيما أنه في كل مرة ينقل معلومة يحصل على مكافأة مقابلها, خاصة أن الطفل لا يكذب بل يتكلم بالفطرة..
ونصح الأخصائي النفسي الأهل أن يحذروا أثناء حديثهم أمام الأطفال فلا يجب عرض أسرار البيت أو الحديث عن الأقرباء والأصدقاء من باب النميمة، فالطفل قد ينقل ما يدور في هذه الجلسات وليس عليه ذنب.
وأشار د. أبو هين في حديثه إلى وجود أسباب أخرى لثرثرة الأطفال، منها أن الطفل يجد الصد من والدته أو والده عندما يتحدث معهما، حتى أن البعض قد يصل بهم الصد إلى التهديد أو الضرب ليجبروا الطفل على الصمت ولزوم الهدوء، وبالفعل يلزم الطفل الصمت في المنزل ليتحدث أمام الغرباء.
ونوه د.أبو هين إلى أن ثرثرة الطفل بحد ذاتها لا تعتبر حالة مرضية ترتبط بذكاء أو قدرات الطفل الذهنية.. فهي من الناحية الطبية والعلمية حالة عادية لا يجب القلق منها وذلك حتى سن الخامسة حيث يجد الطفل نفسه مستمتعاً بحديثه لاسيما أن من حوله يشجعونه على الكلام ويحثونه على الاستمرار.
إذن كان الإسلام على حق عندما حرم النميمة والغيبة لأنه يعلم ما نتيجته، من نشر المشاكل والبغضاء بين الناس, ولا لوم على الاطفال في حال نشروها..