يعكس تصاعد عمليات المقاومة المسلحة في مناطق الضفة المحتلة، حالة التحدي الكبير لجيش الاحتلال ومنظومته الأمنية التي عملت منذ سنوات على سياسة ما يُعرف بـ "جز العشب" للقضاء على أي عمل مقاوم قبل نشأته بالضفة؛ خشية من تكرار نموذج غزة.
وشكلت تلك الحالة تخبط واضح للاحتلال الذي بات يُلقي بفشله الأمني على المؤسسة العسكرية، وقيادته على اعتبار أنها كانت تسوق قوتها وسيطرتها على المناطق الفلسطينية ونجحاها في القضاء على المقاومة.
وفي ظل حالة التخبط فإن حركة حماس وذراعها العسكري بالضفة ترفع مستوى التحدي، عبر تبنيها عملية حوارة الأخيرة، في رسالة مفادها أن جملة التهديدات بتوجيه ضربة للحركة أو اغتيال قيادتها لن تثنيها عن مواصلة المقاومة.
وذكر مصدر أمني (إسرائيلي) لموقع واللا نيوز العبري، أن التبني العلني لحركة حماس للعمليات الأخيرة في الضفة مؤشر خطير على تآكل نظرية الردع (الإسرائيلية).
ووجه المصدر الأمني انتقادات حادة للمستوى السياسي (الإسرائيلي) قائلاً: "إسرائيل لم تعمل على تغيير المعادلة، وحماس في قطاع غزة لا تدفع ثمن على العمليات المسؤولة عنها في الضفة الغربية".
وترى الكاتبة والناشطة السياسية لمى خاطر، أن الاحتلال لم يكن في حسبانه أن تصل الضفة إلى هذا الحال، سواء في تنامي المقاومة واختلاف تركيبتها ونوعيتها.
وتوضح خاطر في حديثها لـ"الرسالة" أنه منذ ما يزيد عن عامين اختلف نمط المقاومة وشكلها وأخدت تتحول من العمل الفردي إلى العمل المنظم والمخُطط بشكل مسبق، مبينة أن هذا التحول يأتي امتدادا لمعركة سيف القدس.
وتبين أن هناك نوع من التركيز العالي في العمليات سواء على الصعيد الجغرافي أو العملياتي وصولا إلى التحدي والاعلان الصريح لتبني أعمال المقاومة في ظل الهجمة والملاحقة التي تشنها قوات الاحتلال على النشطاء بالضفة.
وتؤكد أن نتنياهو توهم وحاول ايهام شعبه أنه حقق الردع بعد معركة سيف القدس، ليتفاجأ أن معظم العمليات الأخيرة والنوعية هي من تنفيذ حركة حماس أو المحسوبين عليها سواء بشكل منظم أو من المتأثرين بفكر الحركة ليجد الاحتلال نفسه أمام معضلة وتحدي كبير.
وتشير خاطر إلى أنه مع كل تهديد للاحتلال تقع عملية وهناك ضربات متقاربة ومركزة سواء في الشمال أو الوسط أو الجنوب لذلك جاء حديث المؤسسة العسكرية للاحتلال عن انهيار متتابع في الردع رغم الملاحقة والاعتقالات المتواصلة لكل من له صلة بحماس في الضفة.
وتلفت إلى أن الاحتلال يستشعر حالة الخطر العالية والتخوف من أن تصل الضفة لمرحلة اللاعودة وعدم القدرة على ضبط الأوضاع فيها، بعد أن أصبح أي تحرك لجيش الاحتلال يجابه بالمقاومة المسلحة أو الشعبية.
وتتوقع أن ما يجري يمكن أن يدفع الاحتلال لردة فعل غير محسوبة عبر عمل انتقامي في الضفة أو غزة أو الخارج في محاولة لاستعادة الردع المفقود.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي، أن ثمة تغيرات كبيرة لدى المقاومة التي أصبحت تمثل خيارا شعبيا لمواجهة الاحتلال في المنطقة، في ظل رسوخ قناعة بالقدرة على هزيمة الاحتلال ورفع تكلفة بقائه بشكل كبير.
ويضيف الرفاتي لـ (الرسالة) أن القدرات العسكرية للمقاومة بالإضافة إلى وجود توافقات متينة بشأن تكامل الجبهات وترابطها في الداخل والخارج. وتزامن ذلك مع انكسار صورة قوة "دولة" الاحتلال لدى رجال المقاومة، الذين باتوا أكثر جرأة ورغبة في الالتحام في المعارك ضد هذا الكيان، ساهم في تراجع قوة الردع لدى الاحتلال.
ويشير إلى أن الأخطر بالنسبة لاحتلال خلال الفترة الماضية هو فشله في تثبيت قناعة أن (إسرائيل) لا تهزم، رغم كل الحروب والمجازر والقوة التي استخدمتها "دولة" الاحتلال لتثبيت تلك القناعة .
وسجّلت الإحصائيات الرسمية لدى الاحتلال مقتل 34 مستوطناً (إسرائيلياً) في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري خلال عمليات إطلاق نار ودهس للمقاومة الفلسطينية. أما في العام السابق 2022، فقتل 33 مستوطناً (إسرائيلياً). ومنذ بداية موجة العمليات من آذار/مارس 2022 حتى آب/أغسطس 2023، قتل67 (إسرائيلياً)، وهو رقم قياسي منذ الانتفاضة الثانية.