رام الله – الرسالة نت
طالبت مؤسسة " هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية بتحقيق مستقل في حالة استشهاد المجاهد هيثم عمرو، الذي توفي بعد تعرضه للتعذيب خلال اعتقاله لدى بلطجية عباس قبل 18 شهراً في الخليل، وفشل تحقيق جنائي وتحقيق آخر بمعاقبة القتلة.
وفي مقابلات حديثة أجرتها "هيومن رايتس ووتش"، قدم ثلاثة شهود على وفاة عمرو، بشكل مستقل، روايات مفصلة للأحداث التي أدت إلى استشهاده، وقال الثلاثة بأنهم قدموا هذه المعلومات كشهادة أثناء التحقيق وبأنهم عرفوا عناصر من المخابرات شاركوا في التعذيب ولم يتم اتهامهم.
وقالت المؤسسة: "إن على الدول التي تقدم الدعم المباشر لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، خصوصاً المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، أن تعلق الدعم لهذه الأجهزة حتى تتم محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان".
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "هل تبرئة ضباط متورطين بشكل واضح في التعذيب والقتل هو ما نتطلع إليه من "بناء الدولة" من قبل السلطة الفلسطينية؟ إن على الداعمين الأجانب للسلطة الفلسطينية أن يعلّقوا تمويل قوات الأمن حتى يتبين أن الضباط الذين يقومون بتعذيب وقتل الناس تتم إدانتهم ومعاقبتهم".
وورد بأن عمرو توفي أثناء التحقيق في 15 يونيو/حزيران 2009، وهو معتقل في مقر المخابرات العامة في الخليل، و في يوليو/تموز 2010، قامت محكمة عسكرية فلسطينية بتبرئة خمسة ضباط أمن متهمين بالتسبب بوفاة عمرو بإدعاء "عدم وجود أدلة" على الرغم من صدور تقرير الطب الشرعي الرسمي الذي يقر بأن سبب الوفاة هو التعذيب، إضافةً إلى شهادة ثلاثة معتقلين أخرين شاهدوا وفاته.
وأكدت المؤسسة بأنه لم تتم إدانة ومحاكمة ومحاسبة أي ضابط أمن فلسطيني جنائيا بسبب سوء معاملة الأشخاص أثناء الأحتجاز، رغم مئات الشكاوى بدعاوى بالتعذيب.
وبحسب تقارير صحافية، اتهمت سلطة عباس الشهيد هيثم عمرو (33 عاماً)، وممرض في مستشفى الخليل بالانتماء إلى حركة المقاومة الإسلامة "حماس"، ولم تدن السلطة عمرو بأي جريمة، كما أن سبب اعتقاله غير واضح.
وفي شهادة تحت القَسَم أمام المدعين العامين، عرّف السجناء الذين شهدوا وفاة عمرو اثنان من ضباط المخابرات المسؤولين عن تعذيبه بشدة لمدة أربعة أيام و حرمانه من طلباته للحصول على رعاية طبية على الرغم من تدهور صحته بشكل واضح. و لم يتم إدانة هؤلاء الضباط، وضابط آخر قال الشهود إنه قام بتعذيبهم.
التمويل الغربي
في 2010 قدمت الولايات المتحدة 350 مليون دولار للسلطة الفلسطينية للأمن ومساعدة البرامج بالإضافة الى 150 مليون دولار دعماً مباشراً للموازنة، في حين قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 230 مليون يورو (315 مليون دولار) للسلطة الفلسطينية.
تقوم الولايات المتحدة بتمويل وتدريب ميليشيا عباس، والذي قال والد عمرو لـ هيومن رايتس ووتش أن ضباطاً فيها شاركوا باعتقال عمرو.
في 25 يناير/كانون الثاني 2011، اعترف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لصحافيين بأن الولايات المتحدة قد "وثقت أكثر من 100 شكوى لتعذيب السجناء تستهدف عادة السجناء السياسيين (لدى قوات الأمن الفلسطينية) في العام الماضي.
وأشارت تقارير من مجموعة الأزمات الدولية وصحيفة الغارديان، إضافةً إلى تقارير من يزيد الصايغ، المفاوض الفلسطيني السابق والأكاديمي المختص في الشؤون الأمنية في السلطة الفلسطينية، بأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قامتا بتوفير الدعم المباشر لجهاز المخابرات العامة وأجهزة أمنية أخرى في السلطة الفلسطينية منذ التسعينيات.
وحسب وثائق مسربة نشرتها الجزيرة، قامت المملكة المتحدة والولايات المتحدة في المشاركة في صياغة استراتيجية السلطة الأمنية لمواجهة حماس في الضفة الغربية. إحدى الوثائق تشير إلى أن المملكة المتحدة قدمت 90 ألف دولار لمكاتب جهاز المخابرات العامة في الخليل في 2005.
وفي وثيقة أخرى ورد فيها بأن الجنرال كيث دايتون، منسق الأمن في الولايات المتحدة ، قال لمسؤولين في السلطة الفلسطينية في 24 يونيو/حزيران 2009 بأن " رجال المخابرات (الفلسطينية) جيدين (...) ولكنهم يحدثون بعض المشاكل للمموليين الدوليين بسبب تعذيبهم للناس".
قضايا التعذيب
وفقا لمعلومات حصلت عليها هيومن رايتس ووتش، تلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ديوان المظالم الرسمي لدى السلطات الفلسطينية، 164 شكوى تعذيب من قبل جهاز المخابرات العامة والأجهزة الأمنية الأخرى خاصة جهاز الأمن الوقائي في 2009، و202 شكوى التعذيب في عام 2010.
وانخفض عدد هذه الشكاوى لفترة وجيزة، إلى معدل ثمانية في الشهر، لمدة خمسة أشهر في بداية سبتمبر/أيلول 2009، وذلك بعد أن أمرت وزارة الداخلية الأجهزة الأمنية بإنهاء التعذيب.
ولكن المجموع الشهري عاد إلى مستواه السابق المرتفع ، وفقاً لتقارير ديوان المظالم الشهرية. فعلى سبيل المثال، تلقى ديوان المظالم 19 شكوى سوء المعاملة في ديسمبر/كانون الأول، تشمل 12 شكوى تعذيب.
قضية عمرو
اعتقل جهاز المخابرات العامة عمرو من منزل والده في بيت روش الفوقة في محافظة الخليل الساعة الثامنة صباحاً في 11 يونيو/حزيران 2009، دون إظهار مذكرة اعتقال أو تفتيش، حسب ما قال والده المعروف بأبو هيثم لـ هيومن رايتس ووتش.
وقالت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، على الرغم من إلزامية المذكرة تحت القانون الفلسطيني، لم تصدر أي مذكرة، وحاول والد عمرو لقاء مسؤولين في المخابرات لمعرفة ما حدث لابنه، لكنهم رفضوا مراراً وتكراراً.
قال والد هيثم: "صباح الأحد (14 يونيو/حزيران)، ذهبت الى (مقر المخابرات العامة في الخليل) لأحصل على إذن لرؤيته"، وتابع "طلبت مدير المخابرات العامة حيث قالوا لي إنه ليس موجوداً، فسألت عن نائبه ولم يكن موجوداً أيضاً، لم يسمحوا لي بالتحدث مع أي أحد، فعدت إلى البيت واتصلت مرة أخرى في الساعة الرابعة ظهراً وطلبت المدير العام، فقالوا لي إنه نائم".
وقال أبو هيثم بأن محاولات أخرى من الأهل لرؤية هيثم ذات المساء قد صُدت، وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي، أبلغ الأقارب أبو هيثم بأن ابنه قد توفى في مركز جهاز المخابرات.
وفي وقت لاحق ذاك النهار، أُحضرت الجثة إلى منزل أبو هيثم، وشاهدت هيومن رايتس ووتش صوراً لجسم عمرو عند إحضارها إلى المنزل تبيّن اختلاف شديد في ألوان الجسم من منطقة الأفخاذ وحتى أسفل الظهر بما يتفق مع الكدمات.
تقرير الطب الشرعي الصادر عن معهد السلطة الفلسطينية للطب الشرعي، والذي حصلت هيومن رايتس ووتش على نسخة منه من مؤسسة الحق، يشير إلى أن "السبب المباشر للوفاة: "إنسداد الشرايين الرئوية بالصمات (الجلطات) الناتجة عن مضاعفة لرضوض الأنسجة تحت الجلد الناتجة عن تعذيب مباشر".
وقال أبو هيثم وباحث في الهيئة المستقلة، بشكل منفصل، إنهم رأوا جثة عمرو بعد أن تم إحضارها إلى البيت، كلاهما قال بأن الجثة أظهرت كدمات شديدة، والتي ظهرت كأنها أثار حرق من الصدمات الكهربائية على الركاب وأسفل الظهر، وعلامات صغيرة أخرى على الظهر تتفق مع كونها حرق بالسجائر، بالإضافة لعلامات التشريح.
روايات الشهود
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلتان مطولتان مع شاهدان لوفاة عمرو، كما تحدثت مع شاهد ثالث أقر بما جاء في روايتهما، و قدم الرجال الثلاثة أدلة للنيابة كما أدلوا بشهادات بأن الحراس قاموا بتعذيبهم هم أيضاً أثناء الاعتقال في مركز جهاز المخابرات في الخليل.
قال علي رشيد، والمقيم في يطا، بأن الحراس تجاهلوا دلالات على تدهور حالة عمرو الصحية لعدة أيام في الحجز، وأضاف رشيد: "في المرة الأولى التي رأيته فيها، كان يجلس على كرسي، وكله كدمات، أرادوا منه أن يقف ولكنه لم يستطع" وتابع: "لم يستطع أن يرفع زجاجة الماء التي كان يمسكها ليشرب، حاولت أن أساعده على الشرب ولكن الحراس ضربوني وقالوا لي أنه ليس من شأني".
و قال رشيد أنه بعد يومين "رأيت الحراس يحضرون (عمرو) إلى الفناء، كان بالكاد يستطيع المشي، وكانت ذراعيه معلقتان كالمشلول، ولكن الحراس طلبوا منه المشي، قال لهم هيثم بأنه مريض ورد الحراس: "أنت ممرض، داوي نفسك بنفسك".
وقال رشيد إنه في الليلة التالية، جرّ الحراس عمرو إلى الفناء وكان غائباً عن الوعي، ووضعوه على فرشة، وطلبوا من أحد السجناء غسله. "جلبوا أوعية ماء. قلت لأحد الحراس بأنه عملياً متوفي، ولكنهم ضربوني، وقالوا لي أن أواجه الحائط". قال رشيد بأن عمرو طلب ماء ولكن الحراس أعطوه زجاجة عصير، وقد تقيأ بعد أن شربها. وقال رشيد بأن أحد الحراس قام بركل عمرو في وجهه. وبعد بضعة دقائق تنفس عمرو عميقاً وتوفى.
وكان شاهد ثان، طلب عدم الكشف عن اسمه، معتقلاً أيضاً لدى مقر جهاز المخابرات في الخليل، قال "كان هيثم بخير عندما أحضروه ولكن سرعان ما بدأ يمرض ويتقيأ"، وتابع "في اليوم الثاني أو الثالث من احتجازه، لم يتمكن من المشي"، و أضاف الشاهد بأن الحراس طلب منه غسل عمرو قبل وفاته بقليل، و"عندما غسلته، كان المنظر فظيعا، كان جسده من الركب إلى الصرة أزرق تقريباً ومجعد كأنه حُرق"، وقال الشاهد بأنه عندما قال للحراس بأن عمرو يحتاج إلى مساعدة قام الحارس "وضربني بقوة بعصاة مكنسة فكسرها".
وقام الشاهدان وشاهد ثالث على سوء معاملة عمرو ووفاته بتأكيد أقوال الآخرين بشكل مستقل، بما يشمل وصفهم لحالة عمرو الصحية، وتعاملهم مع الحراس، وتاريخ الاعتقال والوفاة، وهويات الحراس الذين شعروا بأنهم يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية.
وقال الشهود إن ضابط مخابرات اسمه ماهر عمرو كان المسؤول عن التحقيق مع هيثم عمرو وقام بضربه باستمرار وحرمه من المساعدة الطبية، وبأن حارس اسمه منذر غيث كان متخصصاً في ضربهم بقسوة وضرب هيثم عمرو، وقال الشهود بأنهم ذكروا هؤلاء الضباط في شهاداتهم للنيابة العسكرية. كان غيث من بين الخمسة من جهاز المخابرات الذين تم توجيه التهمة اليهم، والذين تم تبرئتهم، على خلفية وفاة هيثم عمرو. ولم يُنسب الاتهام لماهر عمرو.
وبعد وفاته، التي قال الشهود أنها تمت حوالي الساعة الثانية صباحاً يوم 15 يونيو/حزيران، قام ضباط فلسطينيين بأخذ جثة عمرو إلى مستشفى الميزان، والتي رفضت أن تستقبل الجثمان، ثم إلى مستشفى عالية في الخليل، ثم نقلوها للتشريح إلى معهد الطب العدلي في أبو ديس، في القدس الشرقية، وذلك حسب روايات أقارب عمرو والهيئة المستقلة، وأعيدت الجثة إلى العائلة لاحقاً في اليوم نفسه.
جلسات المحكمة وما بعدها
قام ممثل عن الهيئة المستقلة بحضور جلسات المحكمة الثلاثة في قضية وفاة هيثم عمرو- يوم 31 مايو أيار، 28 يونيو/حزيران، 20 يوليو/تموز، 2010. ولم يتم القبض على الضباط المتهمين، حيث حضر واحدٌ منهم الجلستان الأوليان، في حين حضر جميع المتهمين الخمسة الجلسة الأخيرة، وطلب أمر المحكمة من جهاز المخابرات دفع التعويض "بحسب الشرع والقانون" لورثة المتوفي هيثم عمرو "نظير الإهمال والتقصير في أخذ التدابير اللازمة لحماية الموقوفين"، ورفضت عائلة عمرو قبول كل من قرار المحكمة والتعويض، و قال أبو هيثم لـ هيومن رايتس ووتش بأن السلطة الفلسطينية قد فشلت، في أي حال، في تلبية وعود أخرى كانت قد قطعتها لتوفير الدعم لزوجة عمرو وأطفاله.
و حضر محمد إبراهيم إسماعيل، ابن عم عمرو، جلسة المحكمة يوم 20 يوليو/تموز-الجلسة الأخيرة من أصل ثلاث جلسات، وقال إسماعيل وأبو هيثم إنها الجلسة الوحيدة التي تم إبلاغ افراد العائلة بها، وقال إسماعيل لـ هيومن رايتس ووتش إنه عندما نادى القاضي على أسماء المتهمين، "فوجئنا بهم جالسين بيننا"، مع المتفرجين على المحاكمة، وليس في الحجز.
قال إسماعيل إن النائب العسكري استجوب المتهميين الخمسة "لمدة 30 دقيقة بالمجمل"، حيث أنكر جميعهم المسؤولية عن وفاة عمرو.
وتابع "لم يستطع أياً منهم تفسير كيف استطاع هيثم الصعود إلى الطابق العلوي وأن يسقط ويتوفى"؟ وبعد استراحة قصيرة، أعلن القاضي تبرئة جميع المتهمين.
بموجب القانون الفلسطيني، يمكن أن يُطعن في حكم المحكمة العسكرية الخاصة بأمر من قِبل رئيس السلطة الفلسطينية فقط.
دعا مجلس الوزراء يوم 16 يوينو/حزيران إلى إجراء تحقيق افتتحه النائب العام المدني، ولكن في 22 يوليو/تموز قالت وزارة العدل للنائب العام أن ينقل ملف القضية إلى المدعي العام العسكري، وتكرر الطلب في رسالة من الأمين العام لمجلس الوزراء إلى النائب العام في 23 يوليو/تموز، طبقاً للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان. وأدت هذه التحقيقات إلى الملاحقة الجنائية للضباط الخمسة المذكورين أعلاه.
ووفقا لتقارير إخبارية دولية في ذلك الوقت، اعترف سعيد أبو علي، وزير الداخلية في السلطة الفلسطينية، في أكتوبر/تشرين الأول 2009 بحصول "انتهاك لحقوق" هيثم عمر واستخدام "القوة المفرطة" خلال استجوابه.