أيام وسيحتفل الاحتلال بما يسميه عيد رأس السنة العبرية، والذي يأت في 17 من أيلول/سبتمبر القادم، حيث تسعى الجماعات التلمودية والتوراتية إلى تكريس فكرة اقتحام الأقصى، بأثواب بيضاء ترمز لرداء الكهنة، مع قيادة المستوطنين لإقامة الصلوات التلمودية في الهيكل المزعوم، وسعيهم للنفخ بالبوق في ساحات الأقصى.
ومن اللافت أن الطقوس السابقة لم تكن تمارس في باحات الأقصى ما قبل عام 2000 لأن الاحتلال يعلم تمام العلم أنه لا يملك حقا في المسجد الأقصى، وبأنه معلم إسلامي تاريخي أثري من حق للمسلمين وحدهم.
وفي يناير من هذا العام وفي مقابلة لوكالة الأناضول قال الحاخام مئير هيرش زعيم حركة "ناطوري كارتا"، إن اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى محظور بموجب الشريعة اليهودية.
جاء ذلك تعليقا على اقتحام ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي اليميني المتشدد في حكومة بنيامين نتنياهو التي حصلت على ثقة الكنيست في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بمناسبة الأعياد اليهودية.
ولكن الاقتحامات بدأت تزداد تدريجيا وبطريقة مدروسة ومحكمة، خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث كانت النقلة في 27 سبتمبر/أيلول 2021 عندما أقدام مستوطن على رفع العلم الإسرائيلي خلال اقتحامه للمسجد، ثم في أكتوبر/تشرين أول 2021، بعدما سمحت محكمة الصلح (الإسرائيلية) بما سمتها "الصلاة الصامتة" للمقتحمين في المسجد.
يقول الباحث زياد ابحيص معلقا على تطور هذه الاقتحامات إن الأعياد تأتي هذا العام في سياق ذروة صعود تيار الصهيونية الدينية المستحوذ على نصف حقائب حكومة نتنياهو الحالية، وجماعات الهيكل التي هي واجهة هذا التيار في العدوان على المسجد الأقصى المبارك، ما يجعلها مدفوعة بكل السبل لفرض مفاعيل هذا النفوذ غير المسبوق في المسجد الأقصى المبارك.
ويلفت ابحيص إلى أن هذا العدوان –وسائر الاعتداءات منذ عام 2019- تركز على التأسيس المعنوي للهيكل عبر فرض الطقوس التوراتية، باعتباره الهدف المرحلي الأكثر نشاطاً في هذه الفترة، مع عودة السعي النشط لفرض تقدم في التقسيم الزماني والمكاني في الوقت عينه.
وبين أن الهدف هو محاولة تحويل الأقصى من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك، وهذا العنوان العام للعدوان على الأقصى خلال هذا الموسم من الأعياد اليهودية.
بدوره ولفت الناشط المقدسي عيسى قواسمي إلى ذلك قائلا: ممنوع على الحاخامات دخول مكان قبة الصخرة حسب معتقداتهم، إلا بعد بناء الهيكل، وعلى الرغم من ذلك يدخلون كل يوم من باب المغاربة إلى باب الرحمة.
ويضيف:" لا يصلي بل يهز برأسه ويثبت وجوده في الساحات كل يوم تقريبا في نفس الوقت، عند الساعة العاشرة وهي فترة الضحى، وهذه الصورة قد تفرض تعودا على المشهد، وتقسيما للزمان والمكان فعليا"
ويقول قواسمي: لا أدري إذا كانت تلك اقتحامات، فالاقتحامات تستخدم معها القوة، هؤلاء يدخلون بكل سهولة ويسر، بموافقة الشرطة، التي تسمح لهم وتفتح لهم الأبواب، بل وتخلي ساحات الأقصى في لحظة الاقتحام.
ونوه إلى أن هذا المشهد فرضه تراجع الدعم العربي، وزيادة التطبيع، وتراخي العالم في التعامل وصمته، بالإضافة إلى صعود اليمين إلى دفة الحكم.
ويذكر وحسب الأرقام أنه وفي إبريل/نيسان 2022 اقتحم المسجد الأقصى أكثر من 3738 مستوطنا خلال فترة أيام عيد الفصح اليهودي، ثم في ديسمبر/كانون الأول 2022 ازداد عدد المقتحمين حيث وصل إلى 48238 خلال العام الماضي وحده.
وفي يناير/كانون الثاني 2023 اقتحم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير المسجد الأقصى، في تطور خطير سعى له بن غفير منذ أن تولى هذا المنصب، بعد أن تقدم بـ 11 مطلبا باسم الجمعيات الاستيطانية المتطرفة لكي يُباح المسجد الأقصى لليهود وتأمين دخولهم.
صالح الشويكي عضو لجنة الدفاع عن أراضي القدس قال " الرسالة" أن الحل أمام المقدسيين هو الحضور الدائم في المسجد الأقصى، وهذا ما يحدث فعليا فمع ازدياد عدد المقتحمين، يزداد عدد المصلين والمرابطين، على الرغم من الاعتقالات والإبعاد المتواصل.
ويطالب الشويكي المقدسيين بالتواجد الدائم في الأقصى، في كل الاحتفالات والفعاليات، في الأعياد الدينية وغير الدينية، حتى يظل التواجد المقدسي حاضرا في كل وقت وحين.
سياسة الاعتكاف التي زادت مع ازدياد الاقتحام وازدياد الوعي المقدسي حسب ما قال الشويكي، هي التي تفشل مخططات الاحتلال دائما وفي كل مرة يؤجل الاحتلال مشاريعه أو يتراجع وفقا لمقاومة المعتكفين والمرابطين في الأقصى، كونهم وحدهم من يستطيعون الوقوف في هذه المعادلة الصعبة على حد قول الشويكي.