شمال غزة / ديانا طبيل
يدفع الغزيون وعلى مدار شهور طويلة ضريبة ديمقراطيتهم ، من خلال الحصار الذي وضع غزة بكل ما فيها على جهاز التنفس الاصطناعي، لكن أهلها اثبتوا أن صمودهم لن ينتهي وحياتهم مستمرة وبدائلهم حاضرة فكلما غاب شيء من مقومات الحياة استطاع العزيون إيجاد البديل ... فصدقت المقولة أن الكبرياء تولد من رحم المعاناة وان الإحباط يولد عباقرة ، أجمل هذه التحديات ما أعاده الحصار إلى اهالى غزة من دفء جلساتهم الشتوية في ظل انقطاع التيار الكهربائي وغياب غاز الطبخ.. "الرسالة" عاشت احدى هذه الجلسات والتي مثلت صورة جديدة من صور الصمود التي يعيشها المحاصرون .
*** صابرين
شمال قطاع غزة وبالتحديد الساعة السابعة مساء كانت جولتنا في مدينة الشيخ زايد أحد المشاريع الإسكانية لأكثر شرائح المجتمع الغزي تضرراً من انتهاكات الاحتلال ، قابلنا حسام شحادة" 25 سنة" من معسكر جباليا يقول للرسالة: " منذ انقطاع التيار الكهربائي عنا تغير " جدول السهرة " في السابق كان يقتصر على مشاهدة التلفزيون أو الجلوس على الانترنت لساعات طويلة أما اليوم فالسهرة تبدأ بإشعال النار في " ساحة المنزل " فيجتمع كل أفراد العائلة وأحيانا الجيران ، مضيفاً أكثر ما يميز هذه السهرة إبريق الشاي والذي سميناه " الحاج " كونه كبير الحجم والخبر المحمص والزعتر والزيت والحكى عن أيام زمان بكل ما تحمله من ذكريات .
ويتابع : أصبحت هذه الجلسات جزءا من حياتنا اليومية فأنا واصدقائى أصبحنا نشاهد بعضنا أكثر من السابق وتعمقت علاقاتنا أكثر وصراحة " الله لا يخلف على اللي حاصرونا ويخلف على اللي صبرونا " .
في نفس الجلسة الدافئة قابلنا الحاج أبو مريد" 72"عاما والذي قال بشغف الفخر والانتصار "من زمان ما شفت اولادى متجمعين حولي هيك كلهم متفقين ومبسوطين ، ويتابع القعدة حلوة ما بقدر الواحد يقوم منها إلا بعد نص الليل" .
ويتابع بلكنته اليافوية الكرملية قائلاُ: "زمان كنت اقعد لحالي في الجنينة أقول لعيالى وين ابني مريد يقولولى طالع ، طب حسن نايم ؛ طب عصام بتفرج على التلفزيون ، والصغير قاعد على الكمبيوتر ، وبيني وبينك كنت أتضايق وأحط في قلبي لكن من يوم الكهربا ما صارت تقطع صرت أشوفهم حولي زى ما كانوا أطفال وبدهم أظل احكي لهم عن ذكريات زمان" .
**** أشباح إسديروت
كانت الجلسة تضم ما يقارب عشرين شخص بين نساء ورجال وأطفال, أم كريم "28سنة" احدى الجالسين والتي بادرتني الكلام قائلة : "بعد الجلسة و" وهذه الجمعة " ما في شيء بالدنيا حلو غير الواحد يلاقى حاله وسط أهله وناسه وحبايبه " وتضيف في بداية الحصار كان الأمور صعبة للغاية على الجميع كون الإنسان غير معتاد على ذلك لكن مع الوقت تعود على كل شيء وأصبحت لديه تقبل لكل شيء.
وتستطرد قائلة : رغم اننى لم أتعلم عند اهلى إشعال " البابور " إلى اننى تعلمته منذ شهر تقريبا والآن اعتمد عليه في منزلي كجزء أساسي من حياتي اليومية ، لما انقطع الكاز الأبيض استخدمت السولار وصرت أحط في كل لتر السولار فنجان ملح ودرسين تومة علشان يصفى وتروح عبقته " و هيو أحسن و اشهل من الغاز ، و يابيى ما أزكى الككسة على وابور الفتيلة طعهما غير شكل " .
تدخلت في الحديث الحاجة أم مريد 70سنة " قائلة هاى القعدات بتذكرنى بقعدات أهالينا من أيام البلاد أنا من كوفخة وهالمنظر ظايل يذاكرتى لليوم ، واليهود بس هجرونا حرمونا من هالقعدات واليوم بحاصرونا برجعوها النا تانى" .
السير داخل مدينة الشيخ زايد ومعسكر جباليا ومنطقة بيت لاهيا كان مليئا بجلسات المواطنين حول "كانون النار " في انسجام تام ودفء لا يجدونه في حال وجدت الكهرباء تحوم في سماء الشمال سعادتهم التي لربما تصل إلى مستوطنين إسديروت أشباح تقلق راحتهم .