لا أظن أنك يمكن أن تقرأ هذا الكتاب على أيام، بل ستحتاج فترة كافية للتمحيص والتأمل ثم ستقتنيه كمرجع مهم يحكي لك حقبة تاريخية طويلة في الصين، تغيراتها السياسية والاجتماعية والإنسانية، كتاب حقيقي لدرجة أنه منع من الصين حتى اليوم.
"بجعات برية"، هو الاسم الذي اختارته الكاتبة الصينية يونغ تشانغ، لملحمتها الروائية التي تعرض فيه تاريخ عائلتها عبر تاريخ ثلاثة نساء، جدتها وأمها وهي .
تبدأ بالجدة التي كانت مثالا على تاريخ الصين القديم بكل عاداته القديمة، بدأ بالإقطاع وحتى تحللت قدماها من عادة ربط أقدام الإناث، وكانت ضحية لزوجها ذي المكانة العسكرية حتى استطاعت الهرب من حياته مع ابنتها وتزوجت بعد مماته، وبدأت حقبة جديدة من الحياة مع زوجها الطبيب، وكانت وإياه شاهدين على تغيرات سياسية كثيرة وفي مجتمع مليء بالحروب ولكنه لغرابته سريع التغير والتأثر.
ثم تأتي البجعة الثانية، الأم التي بدأت رحلتها الكاتبة منذ مولدها وتربيتها في كنف أمها وزوج أمها الذي كان داعما لها، حتى انتماءها إلى الحزب الشيوعي والحرب الأهلية بين الشيوعيين والكومينتانغ، ثم انتماءها إلى الحزب مع زوجها وكل تلك التغيرات التي فرضتها الحكومة الشيوعية على المجتمع الصيني، وقد يكون ذلك الجزء من الرواية هو المفاجأة الكبرى بالنسبة لي، الشيوعية نظام فاسد يدعي العدل!!
الشيوعية تقرر أن للدولة السلطة العليا على كل شيء، تستولي على أرض الفلاحين، وتجعلهم عاملين لديها بالسخرة، الحزب أولا وما دون الحزب هو كفر، ولو فضل عضو الحزب عائلته، زوجته، نفسه على حزبه سيعرض للمساءلة، كان الحزب متحكما في حياة الأعضاء، في زواجهم، ملابسهم، ونوعية القماش الذي تصنع منه، وحتى نوعية الماء المستخدم في الاستحمام، فالأعضاء الكبار فقط مسموح لهم بالاستحمام بالماء الدافئ، وتجد في العائلة الواحدة من يسمح له بالاستحمام بالماء الدافئ والآخر ليس من حقه ذلك، بل يتحكم الحزب بعدد مرات الاستحمام!
والحفيدة (كاتبة الرواية) التي نشأت في أسرة شيوعية، وكانت عضواً في الحرس الأحمر الذي عاث فساداً خلال الثورة الثقافية التي اندلعت عام 1966، واستمرت عشرة أعوام. ثم نصحتها والدتها بأن تهرب، ثم استطاعت السفر ضمن بعثة دراسية إلى بريطانيا عام 1978، قبل أن تتفرغ لكتابة هذه الرواية، التي لم يكن لها أن تخرج إلى النور لو ظلت الكاتبة حبيسة ذلك المجتمع، والحقيقة أن الكاتبة أبدعت في تصوير كل تلك التنقلات السياسية والحقبات التاريخية المختلفة بتفصيل دقيق للغاية فخرج كتابها كعمل ضخم تخطى الستمائة صفحة، ويعتبره القراء ملحمة تاريخية مهمة، بل ومرجعا للدارسين لتاريخ الصين.