ظن العدو الصهيوني أنه بمواصلة جرائمه ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، سيزيد من أمد احتلاله للقطاع، وسيُضعف المقاومة ويُجبرها على التراجع أو رفع الراية البيضاء، لكنه ما علم أن المقاومة أخذت على عاتقها تطهير كل شبر من أرضنا المحتلة انطلاقاً من قطاع غزة.
جعلت المقاومة من غزة أرضا حراماً على الاحتلال وقادته الذين أوغلوا في دماء شعبنا، ففي كل توغل أو اجتياح لمدن قطاع غزة إبان انتفاضة الأقصى، كانت المقاومة له بالمرصاد، وكانت عبواتها الناسفة تنتظر أرتال آلياته، فجعلت من غزة الجحيم الذي ينتظر جنوده.
ويوافق اليوم التاسع والعشرين من سبتمبر ذكرى معركة أيام الغضب القسامية كما أسمتها كتائب القسام لصد عدوان الاحتلال على شمال قطاع غزة عام 2004، حين تقدم الاحتلال الصهيوني بأكثر من 100 مدرعة لاجتياح شمال القطاع في محاولة منه للقضاء على المقاومة ووقف صواريخها.
فشل من البداية
أدارت المقاومة المعركة باقتدار لمدة 17 يوما، وكان نفسها طويلا في المواجهة، وقادت عمليات التصدي لتوغل العدو بشجاعة عالية، فأوقع مجاهدوها العديد من جنود الاحتلال في كمائنهم المحكمة، وأردوهم بين قتلى وجرحى.
وضعت قيادة جيش الاحتلال من وقف صواريخ المقاومة التي كانت تدك مغتصبة سديروت هدفاً رئيسياً للعملية العسكرية، إلا أن المقاومة أفشلت مخططه منذ اللحظة الأولى، فلم تتوقف المقاومة في اليوم الأول للمعركة وصواريخها تمطر سديروت وغيرها من المغتصبات.
وخلال معركة أيام الغضب أثبتت المقاومة صلابتها وشدة بأسها، وسجلت معارك ملحمية وبطولية عديدة، كما كانت للاحتلال وجنوده بالمرصاد، فأوقفت تغوله وأذلت جيشه، وظهر ذلك جليا حين تقدم عضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور الشهيد نزار ريان المجاهدين، وتحدى الاحتلال بعبارته الشهيرة "لن يدخلوا معسكرنا، يعني لن يدخلوا معسكرنا"، فأعجزت المقاومة الاحتلال عن الدخول إلى مخيم جباليا، ودحرته يجر أذيال الخيبة والهزيمة.
أفشلت المقاومة مخطط الاحتلال بالتوغل داخل المخيم، وألحقت خسائر فادحة بالقوات والآليات المتوغلة، وتمكنت من استهداف أكثر من 22 دبابة، و31 جرافة، إضافةً إلى 18 ناقلة جند وجيب عسكري، التي حاول جنود الاحتلال الاحتماء بحديدها الذي تشظى من وطأة أسلحة المقاومة، وهو ما أدى إلى مقتل نحو 20 جندياً صهيونياً.
حصن وسد منيع
وعلى الرغم من تمادي الاحتلال في جرائمه ضد المدنيين في غزة خلال العدوان، إلا أن شعبنا فاجأ الاحتلال باحتضانه للمقاومة، وفتح بيوته لعناصرها، وجعل منها نقطة للمواجهة، فكان هذا الشعب بصموده وثباته للمقاومة حصنا وسدا منيعا.
وعلى العكس تمامًا من أهداف العملية الصهيونية التي كانت تسعى لوقف إطلاق صواريخ المقاومة عبر فض الحاضنة الشعبية من حولها، وهو ما لم يحدث، فقد شهد مخيم جباليا بؤرة الاستهداف أوسع وحدة ميدانية بين قوى المقاومة على اختلاف مشاربهم، فيما ازداد الالتفاف الشعبي حولها، وتجسد ذلك عبر قيام المواطنين بتقديم الطعام والخدمات للمقاومين، كما وضعوا قطع "الشوادر" الكبيرة فوق شوارع وأزقة المخيم لحجب الرؤية عن طائرات الاحتلال ومنعها من استهداف المقاومين.
لم يقتصر الالتفاف الشعبي حول المقاومة خلال معركة أيام الغضب على شمال قطاع غزة فقط، بل امتد إلى مناطق القطاع كافة، وفي الضفة الغربية، فقد خرجت المسيرات والتظاهرات التضامنية، ونظمت حملات التبرعات الواسعة لإغاثة وإسناد أهالي المخيم.
تطور مستمر
شكلت معركة أيام الغضب قفزة كبيرة في العمل المقاوم الذي آتى ثماره بإضعاف الاحتلال وزعزعة أمنه، فلم يعد هو ومستوطنوه في مأمن، فكل يوم كان يمر عليه في غزة يزيد من فاتورة الحساب ويدفع ثمنه من حياة جنوده ومستوطنيه.
فكتائب القسام ومعها الفصائل الفلسطينية أكدت من خلال معركة أيام الغضب أن المقاومة المسلحة هي الخيار الأمثل لمواجهة الاحتلال وطرده من أرضنا، وأثبتت أن عزيمتها لا تلين كما عزيمة شعبنا الذي ضحى وصبر، فحطمت على أعتاب غزة أسطورة الجيش الذي ادعى أنه لا يقهر.
عجلت المعركة في زوال الاحتلال من غزة، فتحت شدة ضربات المقاومة فر الاحتلال ومستوطنوه عام 2005م من أرجاء القطاع كافة، وخرج رغماً عنه صاغراً مهزوماً، وعقب الاندحار عملت المقاومة على مراكمة القوة، وضاعفت من قدرتها حتى بات اليوم قوة عظيمة يحسب لها قادة الاحتلال ألف حساب.
ولا تزال مسيرة المقاومة العظيمة تتواصل وهي تعد العدة وتسابق الزمن في تطوير قدراتها وإمكاناتها، وتسير بخطى ثابتة نحو معركة التحرير لتحقيق أهداف شعبنا بدحر الاحتلال وطرده عن أرضنا.