التطبيع مع الدول العربية هو الأداة الأمريكية "الإسرائيلية" لضمان شرق أوسط جديد يحافظ على الهيمنة الأمريكية، والتفوق "الإسرائيلي" في المنطقة، في ظل تساوق عربي مع التطبيع طمعاً في جني مكاسب سياسية، وتدير الدول المطبعة الظهر لاعتداءات الصهاينة على المسجد الأقصى، والتهديد بهدم المسجد وإقامة الهيكل على أنقاضه.
بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتزامنها مع صعود الصين شعرت الولايات المتحدة أن هناك تهديد لهيمنتها مما دفعها لإعادة ترتيب أولوياتها لمواجهة هذا التهديد فبدأت بالانسحاب من الشرق الأوسط وتراجع الاهتمام الأمريكي في المنطقة للتفرع للتهديد الجديد، استغلت الصين هذا التراجع لمحاولة التغلغل في الشرق الأوسط من خلال المشاريع الاقتصادية ومحاولة لعب دور سياسي ظهر ذلك الدور في الاتفاق السعودي الإيراني الذي أحدث اختراق سياسي في المنطقة جعل الحديث عن شرق أوسط جديد أمر واقع.
تقدمت "إسرائيل" لرسم ملامح هذا الشرق الأوسط الجديد بدعم أمريكي منقطع النظير سعياً لاحتواء التغلغل الصيني في المنطقة؛ وقد صرح عن ذلك رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة في دورتها الـ 78، عرض فيه خريطة للشرق الأوسط الجديد شملت مناطقة باللون الأخطر الداكن للدول التي تربطها اتفاقيات سلام مع "إسرائيل" أو تخوض مفاوضات إبرام اتفاقية سلام معها، ومن ضمن الدول التي ظهرت في الخريطة باللون الأخضر (السعودية، ومصر، والسودان، والإمارات، والبحرين، والأردن)، ولم تظهر في الخريطة أي معالم لدولة فلسطينية فقد ظهرت الضفة الغربية والقدس وغزة باللون الأزرق الذي يعبر عن حدود دولة "إسرائيل" حسب زعمه.
يأتي خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة ليرسم ملامح التطبيع مع السعودية، والذي توافق مع تصريح ولي الهد السعودي لوكالة فوكس نيوز الأمريكية (أن السعودية تقترب كل يوم من التطبيع لكن قضية التعامل مع الفلسطينيين تظل قضية مهمة يتعين حلها)؛ دون الحديث عن إقامة دولة فلسطينية بشكل صريح، أو حول المسجد الأقصى بل اكتفى بالقول (أن أي اتفاق سيتطلب إحراز تقدم نحو إنشاء دولة فلسطينية)، هذا التصريح يعبر بشكل صريح عن تراجع السعودية عن المبادرة العربية عام 2002، التي اعترف فيها العرب بإسرائيل، وتنازلوا عن فلسطين التاريخية واكتفوا بالمطالبة بإقامة دولة على حدود الـ 67، لتنحدر السعودية أكثر وتخفض من سقفها أكثر مقابل الحصول على بعض الامتيازات.
يأتي التطبيع السعودي في ظل الاعتداءات على المسجد الأقصى وقيام الجماعات الصهيونية المتطرفة باتخاذ خطوات لتهويد المسجد من خلال جلب البقرات الحمراء، وتصعيد الاقتحامات للمسجد الأقصى، ومحاولة إقامة الطقوس الصهيونية في المسجد، وغيرها من الخطوات الخطيرة، مما يجعل التطبيع طعنة في ظهر القضية الفلسطينية.
إن تساوق السلطة الفلسطينية مع التطبيع السعودي مقابل الحصول على بعض الامتيازات المالية، والدبلوماسية، والتي بدأت السعودية بمنح هذه الامتيازات للسلطة بعد تعين سفير لها لدى السلطة، والتعهد بتقديم دعم مالي، لهو تنازل جديد من السلطة الفلسطينية التي تعتبر هذه الصفقة فرصة للخروج من أزماتها؛ كان يجب على السلطة أن تتصدر للتصدي للاعتداءات الصهيونية والالتحام مع الشعب الفلسطيني، وإنهاء حالة الانقسام السياسي من خلال الانتخابات للحصول على شرعية شعبية، تضخ دماء جديد للسلطة الفلسطينية.