"لدى البعض في المنطقة، اعتقاد أنه يمكنك الهبوط بالمظلة فوق فلسطين، والتعامل مع العرب والعودة – هذا الشىء لا ينجح".
يبدأ زيفي برئيل مقاله في صحيفة "هآرتس" العبرية، والذي ترجمه "الخليج الجديد"، باقتباس مما قاله ملك الأردن عبدالله الثاني، والذي أضاف: "وحتى تلك الدول التي أبرمت اتفاقيات إبراهيم مع (إسرائيل) تجد صعوبة في التحرك علنًا بشأن تلك القضايا... إذا لم نحل هذه المشكلة، فلن يكون هناك سلام حقيقي أبدًا".
وأضاف الكاتب أن السياسة وفلسطين، وليس التخصيب، هما العائقان الرئيسيان أمام التطبيع (الإسرائيلي) السعودي.
وفي حديثه في قمة المونيتور/سيمافور العالمية للشرق الأوسط الشهر الماضي، والتي انعقدت على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال: "هناك فيلان في الغرفة؛ أحدهما هو الجيل الأصغر من الفلسطينيين وقادة لا تعرف هويتهم وأهدافهم، والثاني هو إلى أين تذهب (إسرائيل)؟، كيف يمكننا أن نفهم الأفق السياسي؟ هل هو حل الدولة الواحدة الذي تريده؟ هل هو حل الدولتين؟ وأنا متأكد من أن حل دولتكم يختلف عن حل دولتي".
وأوضح المقال أن كلمات الملك لم تكن موجهة إلى (إسرائيل) فقط؛ فقد ترددت أصداءها في المملكة العربية السعودية، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى أن الحكومة مستعدة لأن تكون "مرنة" فيما يسمى بالشروط الفلسطينية التي ستطالب بها قبل التطبيع مع (إسرائيل)، وهذا "بمثابة إسقاط بالمظلة على المشكلة الفلسطينية التي يقصدها الملك، والفخ الذي يحذر السعوديين منه أيضًا".
لدى الملك عبدالله "بطن مليئة بالضغينة ضد (إسرائيل)، وخاصة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وتعاني العلاقات بينهما من جمود شديد، حيث يتحدث المقربون من الملك عن وعود لم يتم الوفاء بها ووعود جديدة تهدف إلى تهدئته"، وفق الكاتب.
ويضيف مصدر أردني رفيع المستوى: "لكننا علمنا بالفعل أنه لا يوجد من نثق فيه على الجانب (الإسرائيلي) باستثناء أفراد المخابرات (الإسرائيلية)، الذين يحافظون بكفاءة على العلاقات بين البلدين".
"خادم الحرمين" يضم القدس؟
إن القلق الأردني من التطبيع (الإسرائيلي) مع السعودية ينبع من هدف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يلقب نفسه بـ"خادم الحرمين الشريفين في السعودية والقدس"، وليس فقط "خادم الحرمين الشريفين" الواقعين داخل حدوده، كلقب رسمي له، بحسب المقال.
ويتساءل الكاتب: "هل ستمنح (إسرائيل) للسعودية وضعا رسميا في مجمع الحرم الشريف، المعروف باسم الحرم الشريف، وتطرد الأردن، الذي حصل على الوصاية على الحرم الشريف في اتفاق السلام الخاص به مع (إسرائيل)؟ فيما تزعم مصادر (إسرائيلية) أن مسألة الأماكن المقدسة موجودة في المفاوضات مع الرياض".
وقال مصدر في وزارة الخارجية لصحيفة "هآرتس"، إن "إسرائيل ستواصل الالتزام بالتزاماتها تجاه الأردن، وكذلك الولايات المتحدة"، لكن هذه الوعود لا يتم التصريح بها علناً، ولم يصدر أي إعلان (إسرائيلي) أو أمريكي بهذا الشأن، والمخاوف في الأردن هو أن الالتزام قد يتلاشى وسط الانفعال على الاندفاع نحو التطبيع.
لقد طرح الموضوع فعلياً باجتماع عقد في مصر قبل نحو شهر، حضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، والملك عبدالله؛ لبحث المصالح المشتركة والتنسيق قبل التطبيع.
ووفقا للكاتب، فمن التجربة الماضية المريرة، يخشى الملك عبدالله تكرار المناقشات التي سبقت "صفقة القرن" للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي جعلت الأردن على الهامش وليس كمشارك فاعل.
والآن يبدو أن (إسرائيل) والسعودية والولايات المتحدة "تهبط بالمظلات" مرة أخرى فوق الأردن؛ لأن هذه الخطوة، التي قد تؤثر بشكل كبير على موقفها تجاه الفلسطينيين، لا علاقة لها بها.
وفي مقابل الموقف الرسمي للملك عبدالله المتمسك بحل الدولتين، حتى لو أدرك أنه غير واقعي، وفي ظل الموقف السعودي المرن وطبيعة الحكومة (الإسرائيلية)، هناك أيضا أصوات أخرى تناقش الاستراتيجية الأفضل للأردن.
3 خيارات
وفي ذات السياق، يعرض تقرير نشره معهد السياسة والمجتمع الأردني في أغسطس/آب 3 خيارات؛ الأولهو ترك الأمور على ما هي عليه، أي الاستمرار في التمسك بحل الدولتين ولو بشكل شكلي، وبالتالي تبني الموقف الأمريكي الذي لا يؤمن حقاً بجدوى هذا الخيار.
والثاني هو الاستعداد لحل "الدولة الواحدة"، وهو ما يعني بالنسبة للأردن التخلي عن سياسته التقليدية، وتحويل المشكلة الفلسطينية عملياً إلى مشكلة (إسرائيلية)، والتخلي عن أي مسؤولية أردنية عن مصير الفلسطينيين.
أما الخيار الثالث فهو السير في الاتجاه الآخر: عدم التنصل من المسؤولية أو التشبث بوهم الدولتين، بل التدخل في السياسة الفلسطينية لبناء قيادة توافقية تضم جميع الفصائل الفلسطينية، أي حماس أيضا؛ لضمان العلاقات بين الأردن والفلسطينيين، واستعادة مكانة الأردن كراعي للفلسطينيين.
ولم يتبنَ الملك عبدالله بعد نتائج الدراسة، لكنه قال في نيويورك صراحة: "نحن الأردنيين والعرب و(الإسرائيليين) والأمريكيين لا نعرف من هو الجيل الشاب من الفلسطينيين. ومن المهم جدًا بالنسبة لنا أن نكون قادرين على الوصول إلى هذه الأصوات الشابة".
ويعلق الكاتب: "هذا موقف جديد ورائع، والذي إذا قبله الفلسطينيون قد يجبر (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية وبقية الموقعين على اتفاقيات أبراهام، الحاليين والمستقبليين، على الاعتراف بسلطة الأردن ومكانته".
ومن خلال القيام بذلك، "لن يؤدي ذلك إلى مشاركة الأردن في جميع الجهود الدبلوماسية فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى ترسيخ عمّان ككيان يدير الأحداث في المناطق، وإن لم يكن كيانًا مسيطرًا، لتحييد الطموحات السعودية، وربما لكبح جماح تلك الطموحات".