لعل ما حدث بالأمس لم يكن شيء متعارفا، مشهد جديد، غير كل المعايير، التوقيت والفشل الاستراتيجي والاستخباراتي (الإسرائيلي) غير المسبوق، ما يقارب 700 قتيل والعدد مرشح للزيادة، في عملية لم يقم بها جيش منظم، بل نفذها مقاومون مرتجلون، دخلوا إلى الأراضي المحتلة من البر والبحر والجو بكل سرية، وتمكنوا من أسر وقتل الكثير، مستخدمين قدرات وأسلحة لم تستخدم من قبل.
ورغم كل المعطيات عن تفوق الاحتلال عسكريا وتكنولوجيا، الا أن المحللين أكدوا أن مقياس التفوق الآن هو القدرة على التقدم داخل الأراضي المحتلة المصاحب بعملية سرية تامة، لم يستطع التقدم التكنولوجي كشفها، مما يشكل انتصارا كبيرا.
واستطاعت المقاومة خداع الاحتلال الذي كان يعتقد أن حماس لا تهدف للتصعيد واشعال الأوضاع.
وفي هذا السياق لم يخف المحلل العسكري يوسف الشرقاوي ذهوله مما حدث السبت ووصف العملية بأنها ناجحة بامتياز خصوصا من ناحية التنسيق البري والبحري والجوي، والذي نجحت فيه كتائب القسام في السيطرة على "كوببتسات" وقاتلت قتال الجيوش على أكمل وجه على حد قوله.
الجميع تفاجأ كما يقول الشرقاوي، والسر:" أن المقاومة أوهمت القريب والبعيد بأنها تتطلع لزيادة عدد العمال، وبعض التسهيلات الحياتية وتريد الحفاظ على التهدئة، ولكنها كانت تحضر لشيء عظيم، وهذا فشل ذريع للجانب الإسرائيلي".
ويرى الشرقاوي أن أول إنجازات هذه الجولة هو تنحية ما يسمى "بروتكول هني بال" القائم على إبادة الاسرى مع الخاطفين والذي تميل (إسرائيل) لاستخدامه ولم يعد بمقدورها استخدامه الآن.
ويلفت الشرقاوي إلى أن خيار (إسرائيل) في الاجتياح البري مستبعد، مضيفا:" نتنياهو قال إنه يريد إبادة غزة وهذا تصريح ساذج يدل على عدم وجود بنك أهداف واضح في ظل صمت العالم والتهديد الأمريكي، وكل هذا يزيد من عنجهية نتنياهو ولا خيار للشعب الفلسطيني إلا الدفاع عن نفسه.
ووصلت العنجهية (الإسرائيلية) إلى إذلال الجميع مسلمين ومسيحين، واقتحامات متكررة للأقصى، واستباحة المخيمات وإعدام المواطنين في الشوارع وهي تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، في ظل صمت المجتمع العربي والدولي بشكل غريب، كما لفت الشرقاوي.
ويرى أن هذه فرصة كبيرة لتبييض السجون، وعنوان العملية الضمني هو تحرير الأسرى، حسب توقعات الشرقاوي، قائلا:" هذه المعركة لا تقارن بأي معركة قبلها، لقد تجاوزت سيف القدس وما قبلها ولها ما بعدها، وإذا كان لدى المجتمع (الإسرائيلي) لجان نزيهة يجب عليه أن يعرف أن غطرسته هي سبب التعجيل في هذه الحرب. .
كما لم يخف الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات ذهوله أيضا مما يحدث في مستوطنات غلاف غزة منذ أكثر من ثلاثين ساعة قائلا : لا يوجد تعليق يليق بالمشهد، مشهد مذهل للاحتلال ولا زلنا مذهولين".
وأشار الى أن توقيت العملية كان مغايرا لكل القراءات التحليلية وتقديرات الموقف قبل الأحداث، خاصة خلال مسيرات الحدود، وقد بات الأمر وكأنه لتحسين ظروف المعيشة ولم يكن في البال أن هناك طريق للمواجهة.
وتحدث بشارات عن التكتيك المستخدم الذي تسبب بإرباك للاحتلال، موضحا أن التوقيت فجرا والذهاب بأكثر من اتجاه في نفس الوقت وعمليات الانزال واختراق السياج الفاصل أظهر أن المقاومة لديها قدرة على اختراق منظومة الإنذار المبكر لدى الاحتلال، وتعطيل منظومة المراقبة والمتابعة المتطورة، وهذا شيء عظيم.
آلية التنفيذ كانت أمرا آخر مبهرا وفق بشارات، فالمقاومة لديها كم كبير من المعلومات، والمقاومون كانوا يتنقلون بأريحية ويحققون إنجازات ثم يعودون وهذا ليس عبثا على غرابته، بل يدل على كمية الدقة والمعلومات التي تمتلكها المقاومة، وعلى اختراقها فعلا لمنظومة المراقبة، حسب رؤية بشارات
وقد أجمع المحللان على أن الأدوات بسيطة لكنها سريعة الفعالية ويمكنها تحقيق الهدف بشكل سريع سواء سلاح خفيف أو عبر طائرات شراعية أو سيارات أو دراجات، وجميع الأدوات البسيطة تستطيع التغلب على أجهزة المراقبة التكنولوجية المتطورة ، وهذا سر آخر من أسرار النجاح.
ويلفت بشارات إلى أن استمرار المعركة حتى هذا الوقت بعد أكثر من أربعة وعشرين ساعة فاق بحد ذاته الخيال ولا تقدر عليه إلا جيوش نظامية مدربة تمتلك عتادا وخططا متكاملة ومتطورة، مشيرا الى أن هناك عملية متابعة وتواصل بين القيادات والمنفذين داخل المستوطنات مما يدلل على تطور آخر عظيم.
ويرى بشارات أن هدف (إسرائيل) الآن هو تجبير صورتها، وإيقاف حالة الاستنزاف، وستلجأ إلى تقصير أمد هذه المرحلة قدر المستطاع، لأن إطالتها زمانيا ليس لمصلحتها، والمستوطنات في غلاف غزة أحدثت للاحتلال مشكلة كبيرة اقتصاديا وأمنيا، فلو لم يجري توفير حماية كاملة لمن تعرض لهذا الهجوم فسيواجه برفض هؤلاء المستوطنين العودة إلى هناك .
ويتوقع بشارات أن الاحتلال الآن سيركز أكثر على عمليات القصف الكبيرة على الأبراج والبنايات لتحقيق خسائر كبيرة حتى يتمكن من العودة خطوة إلى الوراء ليجد منفذا ينزلها عن الشجرة التي صعدت إليها، وستذهب إلى مباحثات سريعة قريبا، وربما صفقة تبادل سريعة.