الجزيرة.. وأزمة معلومات الثورات

الرسالة نت - وكالات

يستفسر أحد مذيعي قناة الجزيرة القطرية، عبر الهاتف، من ناشط حقوقي في ليبيا، عمّا إذا كان صحيحاً أن مدينة بنغازي تشهد تشييعاً لمئة مواطن قتلوا خلال التظاهرات التي تطالب بإسقاط نظام معمّر القذافي.

تعلو نبرة الدهشة في صوت المذيع عندما يؤكد الناشط على تشييع مئة ضحية في منطقة واحدة، ومن مستشفى واحد، فماذا عن سواها من المناطق والمستشفيات؟.

طبعاً، لم يتوفر المزيد من شهود العيان من مواطنين وناشطين لتأكيد الخبر، ولم نر صحافياً واحداً يقف في نقلٍ مباشر من مكان الحدث، ليؤكد أو ينفي، أي ينقل فعلياً ما يحصل على الأرض.

يبدو أن رياح التغيير التي هبت على الوطن العربي مع ثورة الياسمين التونسية والثورة المصرية، لم تفاجئ أنظمته فقط، بل أرخت بثقلها على وكالات الأنباء العالمية والفضائيات العربية، مع الاختلاف في حجم الاهتمام ونوعية التعاطي، ما بين الوسائل الإعلامية نفسها.

ويمكن أن تؤشر طريقة تعاطي قناة «الجزيرة» مثلاً، التي تبدو مهتمة بما يحدث في ليبيا بالدرجة الأولى، ثم في اليمن، وبدرجة أقل في البحرين، إلى الصعوبات الواضحة التي تصادف الإعلاميين خلال محاولتهم نقل الأحداث من حولهم.

فالجزيرة بدأت في ليبيا من حيث انتهت في مصر. أي إنها استدارت نحو الناشطين والصحافيين وشهود العيان وكادت تستقر بينهم في مصر، بعدما أقفلت السلطات المصرية مكاتبها، وسحبت رخص مزاولة المهنة من مراسليها، بينما نجدها في ليبيا تعتمد، منذ اندلاع التظاهرات قبل عشرة أيام، على ما يصلها من صور التقطها ناشطون ومتطوعون ومشاركون في التظاهرات.

كما تستقي «الجزيرة» معلوماتها من الناس ومن صحافيين مستقلين ومن منظمات حقوق الإنسان التي تجهد لرصد ما يحدث، في ظل شحّ المعلومات المسيطر على الساحتين الليبية واليمنية، مع تفوّق الساحة الليبية في مستوى التعتيم الإعلامي.

لا مفر من الأخذ بعين الاعتبار المعطيات السياسية التي تحكم تعاطي الفضائيات مع الحركة الاحتجاجية الشعبية في هذه الدولة العربية أو تلك، وبالتحديد وضع قناتي الجزيرة والعربية الخليجيتين، خاصةً بعد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وإعلانهم أن ما يحدث في أي دولة خليجية إنما يعني دولهم مجتمعة.

ويبدو أن تأثير الصعوبات اللوجستية راهناً لا يقل عن سابقاتها، بل يتفوق عليها غالباً، وخصوصاً في ليبيا حيث يشير صحافيون إلى صعوبات لوجستية تمنع تنقلهم حتى بين المناطق الليبية نفسها.

ويشير آخرون إلى أنهم يحتاجون إلى إذن خاص من السلطات المعنية للتحرك نحو هذه المدينة أو تلك، لافتين إلى أنه سبق لليبيا أن أعلنت تجميد العمل برخص مزاولة العمل الصحافي، ثم عادت عن قرارها لاحقاً مع الإبقاء على إجراءات التضييق نفسها.

وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من فيس بوك وتويتر إلى يوتيوب في الثورتين التونسية والمصرية، وبالتحديد في الأخيرة، إلا أن هذا التأثير يتحجم في دول مثل ليبيا واليمن، نظراً لواقع انتشار الشبكة العنكبوتية من جهة، ولصعوبة الوصول إلى خدمات الهاتف النقال الموصول بالإنترنت من جهة أخرى، بالإضافة إلى تدنّي نسبة مستخدمي الوسائل التكنولوجية والتواصلية الحديثة.

وتشير المعلومات المتوافرة على الإنترنت إلى أن ليبيا شهدت انتشاراً محدوداً للشبكة عبر إحدى الشركات الحكومية قبل سنوات معدودة لا تتجاوز عددها أصابع اليد.

فتؤكد الأرقام أن عدد مستخدمي الانترنت لم يتجاوز 350 ألف شخص في العام 2010، تسعون في المئة منهم يستخدمونها في تنزيل الأغاني والصور وإجراء المحادثات الاجتماعية، فيما تستفيد نسبة سبعة في المئة منها للاطلاع على الأخبار السياسية والثقافية.

وليس خفياً على أحد دور الإنترنت في الثورات التي حدثت وتحدث، إذ يكفي أن يقول أحد المسؤولين في إحدى وكالات الأنباء العالمية أن الوكالة ترصد باستمرار ما يحدث على فيس بوك وتويتر كمؤشر لما يمكن أن يحصل في أي بلد عربي. ويشير إلى أن الإعلاميين اليوم يتعاملون بجدية مع أي دعوة إلى التظاهر يتم نشرها عبر الإنترنت.

ومع ذلك، وليكتمل الحصار الإعلامي، فقد قطعت السلطات الليبية خدمة الإنترنت عن مستخدميها، بالإضافة إلى الرقابة المسبقة والتحذيرات والتلويح بسحب رخص الصحافيين ومنعهم من العمل.

ويكبر التخوف من تغييب الإعلام عن أحوال المواطنين في ليبيا تحديداً، وفي اليمن والبحرين تالياً، من تنوّع وسائل القمع والقتل التي يبدو أن الزعماء العرب يضيفون إليها إبداعاتهم الخاصة بعد الاستفادة من خبرات الأسبقين في تونس ومصر.

ومع إدخال عنصر المرتزقة في ليبيا لقتل المحتجين، وكذلك سُمع عن مرتزقة في البحرين، يبدو أن التقارير الإعلامية تقتصر على ما يقوله بعض الناشطين من دون توثيق دقيق يساهم في توضيح حقيقة ما يصيب الناس.

وعليه، تمعن الأنظمة العربية في قتل المتظاهرين ضدها وفي التطرف في استعمال العنف، مستفيدة من غياب العين الإعلامية وتواطؤ أنظمة شقيقة أخرى، وسكوت رأي عام عالمي بات صناعه يخشون أن تقلب رياح الثورات الشبابية العربية ساحاتهم المستقرة على الخضوع والاستسلام وقمع إرادة الشعوب، إلى حراك مفتوح على التغيير.

البث المباشر