منذ ما يقرب من شهر، لم تعلم شيماء أبو خاطر بما حدث لابنتها المولودة حديثاً. وبحلول الوقت الذي وُلِدَت فيه كندة في 30 أكتوبر/تشرين الأول -قبل أكثر من شهر من الموعد المحدد لها- كان منزل أبو خاطر في شمال غزة قد دُمر بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، على حد قولها.
فيما كانت إسرائيل تشير إلى أنها تخطط لاستهداف مستشفى الشفاء في مدينة غزة، حيث وُلِدَت كندة. صار حينها مصير أكثر من ثلاثين طفلاً مولوداً قبل الأوان، بمن فيهم كندة، مُعلقاً في الميزان، حسب ما جاء في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية نُشر الخميس 15 فبراير/شباط 2024.
نُقِلَت أبو خاطر، مع بقية العاملين في قسم الولادة في مستشفى الشفاء، إلى مستشفى آخر فور ولادته، مع اقتراب القصف. كندة، التي لم ترها والدتها إلا لفترة وجيزة، ظلت في الحاضنة. والأسابيع التي تلت ذلك كانت عصيبة.
علمت أبو خاطر من الراديو أن جنوداً إسرائيليين حاصروا مستشفى الشفاء. نفد الوقود من المستشفى لتشغيل الحاضنات، وكان الأطفال الرضع يموتون. ولم تتمكن هي وزوجها سامر (28 عاماً) من الوصول إلى الطاقم الطبي هناك. وأخيراً، في الأسبوع الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، جاءت الأخبار من أقارب في الأردن، الذين شاهدوا قائمة على الإنترنت بأسماء الأطفال الذين أُجلوا من مستشفى الشفاء، وكانت كندة على قيد الحياة في مصر.
بينما قالت منظمة الصحة العالمية إنها كانت من بين 31 طفلاً حديث الولادة نُقِلوا إلى مكان آمن نسبياً من قِبَلِ بعثة تابعة للأمم المتحدة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني "في ظل ظروف أمنية شديدة للغاية وشديدة الخطورة". وتُوفِّيَ ثمانية من الأطفال الخدج البالغ عددهم 39 طفلاً قبل عملية الإنقاذ، وفقاً لمسؤولي الصحة الفلسطينيين. وبقي ثلاثة في جنوب غزة.
يواجه الأطفال الرضع الثلاثة والعشرون الذين أُجلوا إلى مصر مستقبلاً لا يقين فيه. جُمِعَ شمل بعضهم مع والديهم، لكنهم لا يزالون معرضين للخطر. ويبدو أن آخرين يعيشون بمفردهم، بعد أن مات أفراد عائلاتهم أو أصبح من المستحيل الوصول إليهم -مما يثير أسئلةً محيِّرة حول من المسؤول عن رعايتهم، وماذا سيحدث لهم عندما تنتهي الحرب.
بدأت رحلة أبو خاطر إلى ابنتها بالنزوح المروع إلى الجنوب خلال توقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لمدة أسبوع في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني. نامت هي وزوجها في شوارع جنوب غزة حتى سُمح لها دون زوجها بالعبور وحيدةً إلى مصر في أوائل ديسمبر/كانون الأول.
كانت كندة تعاني من التهاب في الكبد ومشاكل في الأمعاء. لم تكن قادرة على تناول لبن الرضاعة، وكانت تعيش على السوائل الوريدية. ولكن مع مرور الأسابيع في هذا المستشفى اللامع في العاصمة الإدارية الجديدة لمصر خارج القاهرة، أصبحت أكثر صحة. وفي هذا الشهر، خرجت من الحاضنة.
قالت أبو خاطر، 23 عاماً، عن لمّ شملهما، وهي تحتضن طفلتها في غرفتها بالمستشفى: "شعرت أخيراً أنني أم. قبل ذلك، لم أكن أشعر بأنني بهذا الشعور".
مآسٍ في أول أيام الولادة
في أسفل القاعة، في غرفتين تصطف على جانبيهما أسرّة الأطفال، كان هناك ثمانية أطفال يرقدون دون أن يطالب بهم أحد. ولا يُعرفون إلا بأسماء أمهاتهم، المأخوذة من العلامات الملصقة على كواحلهم عند الولادة.
بالنسبة لاثنين منهم على الأقل، توفر التقارير الإخبارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي أدلة على المآسي التي عجت بها أيامهم الأولى. وكان ابن فاطمة الحرش، الذي ينام على وجهه في لباس داخلي مخطط، مثالاً على ذلك.
كان هو الناجي الوحيد من غارة جوية أسفرت عن مقتل 11 من أفراد عائلته في أكتوبر/تشرين الأول. وقد خرج من بطن أمه قبل أن تفارق الحياة متأثرة بجراحها في أحد مستشفيات شمال غزة، بحسب تقارير إخبارية في ذلك الوقت.
بينما لا يستطيع ابن حليمة عبد ربه فتح عينه اليمنى التي أصيبت في هجوم. وتظهر صورة لملفه الطبي، تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، ملاحظة مكتوبة بخط اليد: "أفراد الأسرة شهداء".
أمراض ونقص في الوزن
عندما وصل الأطفال إلى المستشفى، اعتقد الطاقم الطبي أن فرصتهم في البقاء على قيد الحياة أقل من 20%، وفقاً لخالد راشد، طبيب الأطفال حديثي الولادة. كانوا يعانون من الجفاف الشديد، ولم يتمكنوا من التنفس بمفردهم. يزن معظمهم حوالي ثلاثة أرطال.
أضاف راشد أنهم أصيبوا بالعدوى أثناء الرحلة، مما تسبب في تعفن الدم، وهو "القاتل الأكبر لحديثي الولادة". وقد تُوفِّيَ خمسة من الأطفال الـ28 منذ وصولهم إلى مصر.
قال راشد الأسبوع الماضي، وهو يتفقد حضانة مليئة بالرضع النائمين: "بذل جميع العاملين هنا قصارى جهدهم للحفاظ على حياتهم، والحمد لله نجحوا مع هؤلاء الأطفال".
رافقت خمس أمهات، قام العاملون الصحيون في غزة بتتبع معلومات الاتصال الخاصة بهن وكتبوها على القائمة، أطفالهن إلى مصر، وفقاً لأسامة النمس، وهو ممرض من غزة وصل معهن وبقي في القاهرة لمدة شهرين تقريباً.
وجميع الأطفال تقريباً في المستشفى في القاهرة خارج العناية المركزة الآن. يرضعون ويتنفسون من تلقاء أنفسهم ويزيدون وزنهم.
رُضع لم يسأل عنهم أحد
بالنسبة للثمانية الذين لم يطالب بهم أحد، يبدو أن لا أحد يعرف مكان والديهم، أو ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة. ويقول موظفو المستشفى إن لديهم القليل من المعلومات للاستمرار فيها، وليس من مهمتهم التحقيق.
قال رمزي منير عبد العظيم، مدير عام المستشفى، إنه بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من رعايتهم، "أصبحت جميع الممرضات أمهاتهم الآن".
أُجلِيَ مئات الأطفال الآخرين من غزة إلى مصر لتلقي العلاج، بحسب السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح. وقال إن "عدداً قليلاً جداً" منهم وصلوا بمفردهم، لكنه أقر بأنه "ليس لدينا قائمة مفصلة".
تقرير/ وكالة الأناضول