قائمة الموقع

المصابون بـ "الأمراض المزمنة" .. ضحايا يموتون ببطء في حرب غزة

2024-04-18T11:57:00+03:00
20edc33ac1.webp
أحمد أبو قمر - خاص الرسالة نت

لم تترك الحرب على غزة أحدًا دون أن تطاله المعاناة، بما في ذلك أصحاب الأمراض المزمنة الذين يذوقون الويلات، بين ضعف الرعاية الصحية ونقص الكادر الطبي وشح الأدوية المخصصة لهم، مما يجعلهم يعيشون في دوامة من الأوجاع، تصل حد فقدان البعض لحياتهم.

ومع بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي للعام 2023، عجّت المستشفيات والنقاط الطبية بالإصابات، ما قلّل حجم الرعاية الطبية المخصصة للمرضى ذوي الأمراض المزمنة.

ولعل "ما زاد الطين بِلة"، هو اقتحام جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفيات التي خرجت عن الخدمة، لتزداد معاناة هذه الفئة من المرضى.

 معاناة وفقدان حياة

المواطن الثلاثيني أشرف مطر، من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يروي معاناة والده مع مرض السكري، والذي فقد حياته في ديسمبر 2023 بسبب انعدام الرعاية الصحية اللازمة له، مع اقتحام الاحتلال الإسرائيلي مستشفيات شمال غزة وخروجها عن الخدمة.

وقال مطر، في حديثه لـ "الرسالة نت"، إن والده الستيني كان يعاني من مرض السكري منذ صغره، ويواظب على تناول الأدوية والغذاء المناسب له، وحياته تسير بشكلٍ طبيعي.

وأضاف: "منذ شهر نوفمبر بدأ والدي يجد صعوبة في متابعة التشخيص الطبي الذي يحتاجه، فلم تعد العيادات الخارجية تعمل كالمعتاد بسبب كثرة الإصابات، وبدأنا نشعر بصعوبات كبيرة في تأمين الدواء الذي يحتاجه والدي، حيث كان يتلقاه قبل الحرب بالمجان ولكن مع استمرار الحرب انقطع الدواء من العيادات وأصبحنا نشتريه بسعر مرتفع في بعض الصيدليات".

وأوضح أن انتكاسة والده بدأت مع نهاية نوفمبر، مع اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى الأندونيسي، بالتزامن مع صعوبة التحرك نحو المستشفيات مع اشتداد القصف.

وأشار المواطن مطر إلى، أن والده كان بحاجة لدواء "الأنسولين العكر" والذي فُقِد بالمستشفيات والصيدليات، وهو ما أدى لانتكاسته.

ولفت إلى أن "الغرغرينا" أصابت قدم والده بشكل متسارع بسبب عدم تلقي علاج السكر بالشكل المطلوب، ليفقد حياته مع نهاية شهر ديسمبر، في ظل انعدام الخدمة الطبية التي كان يتلقاها.

وختم مطر حديثه: "والدي وعشرات المرضى المزمنين، هم ضحايا للحرب على غزة، والوجه الآخر من المعاناة التي لا يذكرها أحد وسط زحمة الشهداء والأحداث المتلاحقة".

وفي مناشدة أطلقها المواطن محمد عابد، الذي يعاني من مرض في القلب، دعا لإنقاذ حياته في ظل انعدام الرعاية الطبية المخصصة له.

وقال عابد الذي يعاني من مشاكل في الصمامات ويحتاج عملية جراحية: "أحتاج عملية جراحية ولكن الأطباء يخبرونني بتأجيلها بسبب العمليات العاجلة التي أفرزتها الحرب على غزة، وكذلك نقص المعدات الطبية وأهمها قسطرة القلب التداخلية التي أحتاجها للعملية".

ودعا عبر "الرسالة نت"، لضرورة تعزيز الطواقم الطبية بالكادر والمستلزمات الطبية اللازمة لإجراء العمليات الجراحية المؤجلة منذ شهور.

وأعرب المريض عابد عن تخوفه من تدهور حالته الصحية بسبب تأجيل العملية، مؤكدا أن المنظومة الصحية تعاني من الانهيار في قطاع غزة بسبب استمرار الحرب ورفض (إسرائيل) إدخال الأدوية اللازمة للمرضى.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك العشرات من المرضى المزمنين الذين يبيتون في مآوي النزوح والخيام دون مراجعة طبية مستمرة، وهو ما يهدد حياتهم.

معاناة مستمرة!

الدكتور مصطفى الدباغ، الطبيب المختص في الأمراض المزمنة في مستشفى كمال عدوان شمال غزة، يعرّف المريض المزمن، بمن يلازمه المرض طوال حياته.

وقال الدباغ إن أهم الأمراض المزمنة، الضغط والسكري والربو وغسيل الكلى والقلب.

ولفت إلى، أن توقف العيادات الخارجية بسبب الحرب وتكدّس الإصابات في المستشفيات، أضر كثيرًا بأصحاب الأمراض المزمنة الذين يحتاجون متابعة دورية لأمراضهم.

وبيّن أن العيادات الخارجية كانت ملاذًا للمريض المزمن، فهو يتلقى الخدمة منها، ومع توقفها فإن هناك مشكلات صحية ستطرأ على حالته.

وأوضح الدباغ، أن أغلب العيادات الخارجية في مستشفيات قطاع غزة خرجت عن الخدمة بسبب الحرب، وخصوصًا في شمال غزة حيث لا يوجد كادر طبي كافي بسبب كثرة الإصابات وخروج مستشفيات غزة عن الخدمة لفترة طويلة مع اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لها، وكذلك تشتت الكادر الطبي ما بين نازح وشهيد ومصاب.

وأضاف الطبيب الدباغ: "مرض الكلى، يعتبر أحد الأمراض المزمنة، ولكن مع استمرار الحرب فلا يوجد في شمال غزة طبيب كلى متخصص بسبب نزوحهم لجنوب غزة".

وحول ما يمكن فعله لاستمرار تقديم الخدمة للمرضى ذوي الأمراض المزمنة، قال الدباغ: "حاولنا التغلب على ذلك عبر النقاط الطبية العشوائية في مآوي النزوح، حيث أنها كانت مهمة لإفادة الحالات المزمنة ورغم ذلك لم يستطع الطاقم الطبي الملاحقة عليهم بسبب كثرتهم".

وتطرق الطبيب الدباغ للحديث عن النقص الشديد في الأدوية للأمراض المزمنة، قائلًا: "ربما قلة الطعام تساعد المرضى المزمنين، ولكن عدم وجود أدوية مناسبة زادت المضاعفات الصحية وبالتالي قد تؤدي إلى الوفاة بعد فترة".

وأضاف: "أطباء الجراحة يعانون مع أصحاب الأمراض المزمنة، ففي حال احتياج أحد المرضى المزمنين لإجراء عملية فلن تتم طالما لا يوجد انتظام في تناول الدواء، وبالتالي تأجيل العملية الجراحية وهو ما يخلق مضاعفات للمريض".

وشدّد على ضرورة تفعيل العيادات الخارجية وتوفير الأدوية باستمرار وعودة الكثير من المستشفيات التي خرجت عن الخدمة للعمل، مع توفير الكادر الطبي المتخصص للمستشفيات.

وعدّد الطبيب الدباغ، أهم الأدوية التي يحتاجها ذوي الأمراض المزمنة والتي باتت مفقودة من أسواق قطاع غزة، وخصوصًا شمال غزة وهي: دواء الأنسولين "العكر" المخصص لمرضى السكري، وأدوية السيولة المموعة للدم "ريفوكسار"، وقسطرة القلب التداخلية المخصصة لمرضى القلب، ودواء أميكور لمرضى الضغط.

 الموت سيحصد الآلاف من المرضى

وفي دراسة لعلماء أوبئة، أكدت أن تصعيد الحرب على قطاع غزة قد يؤدي لاستشهاد نحو 85 ألف فلسطيني خلال 6 أشهر بسبب الإصابات والأمراض.

وتتوقع الدراسة التي نشرت في نهاية مارس/ آذار 2024، وأشرف عليها باحثون من جامعة جونز هوبكنز وكلية لندن لحفظ الصحة والطب الاستوائي، أنه في حال عدم حدوث تغيير في المستوى الحالي للقتال ووصول المساعدات الإنسانية، تسجيل نحو 58 ألف وفاة إضافية خلال الأشهر الستة المقبلة، وسيرتفع الرقم إلى أكثر من 66 ألفا إذا كان هناك تفش للأمراض المعدية مثل الكوليرا.

وشملت الدراسة الوفيات الناجمة عن الإصابات المزمنة، والأمراض المعدية، والمضاعفات المتعلقة بالولادة والأمراض التي تصيب الأطفال حديثي الولادة، والأمراض غير المعدية التي لم يعد بإمكان الأشخاص تلقي الدواء أو العلاج لها مثل الفشل الكلوي.

ومع ذلك، تحدثت الدراسة عن سيناريو شن الجيش الإسرائيلي هجمات على رفح وتفاقم الأزمة في الأشهر المقبلة.

ووفقًا لهذا السيناريو، من المتوقع أن يتجاوز عدد الوفيات 85 ألف شهيد، وفي المجمل ستبلغ الحصيلة في القطاع أكثر من 120 ألف شهيد.

ولكن حتى من دون عملية في رفح، وفي حالة إطالة أمد الحرب حتى منتصف الصيف واستمرار الأزمة الإنسانية كما هي، يتنبأ النموذج بوفيات زائدة قدرها 58 ألف شخص، أي حوالي 100 ألف ضحية في المجموع.

ويبقى أصحاب الأمراض المزمنة ضحية الحرب حيث لا يتذكرهم أحد، ومع دق ناقوس الخطر على حياتهم، فهل يجدون من يتذكر معاناتهم ويعمل على إنهائها، أم ستبقى هذه الفئة مهمشة حتى الموت؟.

ولعل أهم ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو الضغط على المؤسسات الدولية الصحية، لإدخال الأدوية اللازمة للمرضى بشكل عام وخصوصا أصحاب الأمراض المزمنة، مع ضرورة فتح العيادات الخارجية في جميع مناطق قطاع غزة لتسهيل وصول المرضى المزمنين لها.

اخبار ذات صلة