ما قصته مع أفيخاي أدرعي؟

الفنان علاء اللقطة.. ترك مهنته ليتفرغ للمقاومة بريشته

الرسالة نت- رشا فرحات

من الواضح جدًا أن التضامن بكافة أشكاله مع غزة في وجه الإبادة الجماعية التي تمارسها (إسرائيل)، منقطع النظير وغير مسبوق، ففي اليوم الذي تقدم فيه غزة رقمًا جديدًا للشهداء والجرحى، ترتفع أياد أخرى للتضامن والسير قدما لنصرتها، من كل الشعوب وفي كافة المجالات.

كل من يملك قلما كتب رأيًا، وكل من يملك راية رفعها، وكل من يملك ريشة استخدمها ليرسم عن غزة، الكل محارب في هذه المعركة، بدءا بالمقاوم على أرض غزة، وصولا لمن يهتف لدعمها في أقصى بقاع الأرض، والذي ثار لأجل الإنسانية.

فن الكاريكاتير محارب أيضًا، قاوم ببسالة منذ السابع من أكتوبر وكان مرآة حقيقية للحق، والصورة التي ترسل لقطة معبرة عن رأي صاحبها، وصلت قبل أن تصل التحليلات السياسية والمقالات والمقابلات الكثيرة برسالة واضحة مختصرة وسريعة.

يجلس الفلسطيني في أيام العيد على صخرة بينما يقف بجانبه كبش لا يعرف لماذا لم يذبح حتى الآن، وهو لا يشاهد تلك السكاكين المغروسة في ظهر صاحبه، وكأن الغزي هو من نُحر في هذا العيد قبل أن يَنحر كبشه.

GQDpzIEWgAATvd5.webp
تلك كانت طريقة رسام الكاريكاتير الدكتور علاء اللقطة في التعبير عن العيد في غزة، شعب منحور وكِباش لم تذبح، بينما تألّق في رسم آخر بإلباس المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة ملابس بيضاء مع لثام أبيض، وهو يصوره واقفا لإلقاء خطاب النصر فوق جبل عرفات.

تلك الرسوم الإبداعية الساخرة من واقع مرير تلقى رواجًا كبيرًا على شبكات التواصل، بل وتتناقلها الفضائيات العربية، والتي جعلت من الدكتور علاء اللقطة وريثا مناسبا للفنان الفلسطيني ناجي العلي، بل وداعمًا للمقاومة.

الدكتور علاء عبد المجيد اللقطة الفلسطيني المولود بغزة عام ( 1972م) هو طبيب التجميل السابق، الذي حمل على كتفيه وطنا، فكان يصب همومه بالريشة فوق الورق، بل وتفرد له خصيصا مستقيلا من مجال عمله كطبيب تجميل، ولكنه يذكر أن سبب تركه لعمله، وذلك يتمثل في تغريدة ساخرة قام بها الإسرائيلي المحتل أفخاي ادرعي مهددا الطبيب الرسام: "ما رأيك أن تترك الكاريكاتير لتتفرغ للطب فقط".

فكان رد ابن مخيم الشاطئ سريعًا: "أجل سأترك الطب وأتفرغ للكاريكاتير حينما أعود لقريتي المحتلة الفالوجة".

ويلفت اللقطة: (قاومت التنازل عن مهنة الطب كثيرا لكني قررت في النهاية أن أتفرغ لوطني، وأن أرسم فقط، ولن تجد أصدق من ابن غزة حينما يرسم عن جراحها ودمائها، وهذه البطولات الفلسطينية يجب أن تترجم من خلال الرسم).

وحينما استذكرنا معه مشهد اغتيال الفنان ناجي العلي، سألناه عن مدى الخوف الذي يمكن أن يشعر به فنان الكاريكاتير، فأخبرنا  في مقابلة مع الرسالة نت قائلا: " الذي يريد أن يدعم المقاومة ويده مرتعشة لا يؤثر في الناس ولا يكون أهلا لحمل هذه الريشة، فهو مقاتل بالميدان ويده على الزناد، ومن يريد أن يقدم لفلسطين دون أن تصيبه شوكة واحدة فهو لا يعلم طبيعة هذه المعركة".

وأضاف اللقطة: "نحن معركتنا مع محتل غير أخلاقي، استخدم كل سبله البشعة في سبيل الاستيلاء على هذه الأرض، وأنا واحد من هذا الشعب العظيم الذي تعرض للإبادة ولا بد أن أعبر عن أوجاعه، وإذا كنت سأخاف فأنا لست أهلا لهذا الحمل الثقيل، وأنا أعرف نهاية هذا الطريق في سبيل الله، وكل من أراد تحرير وطنه على مر التاريخ كان له خصوم يكيدون له، وسلعة الله غالية ونسأل الله أن أكون من أهلها".

ولكن الأغرب في حرب الإبادة هذه على قطاع غزة ليست رسومات الرسام الفلسطيني، بل إن هناك تضامنًا ملحوظ من رسامين غير عرب شاركوا في هذا الاشتباك بطريقتهم في فضح السياسة الإسرائيلية والأمريكية من خلال الريشة، وقد تحدث عن ذلك اللقطه في مقابلته معنا، لافتا إلا أن الذاكرة قديما ارتبطت بالفنان البرازيلي كارلوس القوف وهو من أجمل من رسموا عن القضية الفلسطينية من سنوات طويلة.

ويرى اللقطة أن التضامن العالمي فعليًا أصبح غير مسبوق ولم يشهد التاريخ له مثيلًا قائلًا: "الحقيقة ولست مجاملًا لو قلت هم الآن بالمئات، يرسمون جميعهم تضامنا مع فلسطين، ما قبل الحرب كان من يرسم رسما واحدا يفصل من عمله، لكن الآن فرضت القضية نفسها وتجرأ الجميع على الرسم والمشاركة، بل امتد إلى هوليود الساحة الفنية الأكبر في العالم".

وتحدث اللقطة عن مشاركات رسامين عالمين لافتة، من بينهم رسام الكاريكاتير المكسيكي أنطونيو رودريجيز، وهو أحد أشهر رسامي الكاريكاتير في العالم، وأحد الحاصلين على جائزة مجلة "توونز" التي تدعم حرية التعبير من خلال الرسوم الكاريكاتورية، وقد نشر رسماً يصور غزة كمهد لطفل رضيع تضع (إسرائيل) فوقه لعبة يتدلى منها صواريخ، وحقق هذا الكاريكاتير انتشاراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت أداة أساسية للتضامن.

زلزال التضامن، هكذا أسماه علاء اللقطة لكثرة عدد المتضامنين، ما جعل اللوبي الصهيوني يفقد السيطرة والطريقة لكبح جماح هؤلاء في أوروبا وأمريكا على حد تعبيره.  مضيفا: "رسوم كاريكاتير كثيرة وصلتني ترفع إلى جانب الأعلام في المظاهرات لأهمية هذا الفن في التعبير المختصر عن القضية، لذلك انتشرت الرسومات في ساحات الجامعات والشوارع في أوروبا وأمريكا، هذا التضامن تحدى حدود العقل، كما تخطت المجازر في غزة حدود العقل، وكل هذا بفضل صمود الشعب الفلسطيني".

ولكن المشكلة تظل قائمة في ظل سيطرة إسرائيلية اقتصادية على العالم، وتلقي بحرية النشر جانبا في كثير من الأحيان، فينقلب التضامن مع الإنسانية إلى التضامن مع المصالح، وهذا ما يجعل نشر الرسوم المتضامنة مع الفلسطيني صعبا في كثير من الصحف الأجنبية، كما أن هناك حربا أخرى تتمثل في تقييد النشر عبر شبكات التواصل ومحاربتها من قبل الاحتلال.

ويمكننا أن نذكر ذلك اليوم الذي نشرت صحيفة "واشنطن بوست" لرسام الكاريكاتير مايكل دي أدير رسوماً كاريكاتيرية عدة، صورت واحدة منها دبابة إسرائيلية محمولة على هرم من أوراق اللعب يمثل الدعم العالمي لتل أبيب، في حين جاءت عبارة على لسان الجندي قائد الدبابة بأنه لن يدوم للأبد.

ولم ينس علاء اللقطة أن يذكر الفنانين الفلسطينيين المحاربين على الساحة بريشتهم مثل أمية جحا الرسامة الكاريكاتيرية الفلسطينية المعروفة وهي أول امرأة عربية تدخل هذا المجال، بل وتكاد تكون الوحيدة أيضا،  بالإضافة إلى الرسام الغزي هشام شمالي، والرسام الضفاوي محمد سباعنة، وجميعهم أثبتوا للعالم بعد مقتل ناجي العلي بـــ37  عاما بأن حنظلة باق ويتمدد ما بقيت القضية.

البث المباشر