منذ بداية معركة طوفان الأقصى، تكشف الخلاف (الإسرائيلي) بين القيادتين السياسية والعسكرية وذلك بفعل الضربات التي تلقاها الجيش من عمليات المقاومة، وبات الخلاف بشكل معلن كما جرى قبل أيام قليلة حين وجّه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سهام نقده إلى الجيش، واتهمه ضمنا -خلال جلسة الحكومة الأسبوعية- باختطاف قرار (الدولة)، قائلا إن "إسرائيل دولة لديها جيش، وليست جيشا لديه دولة".
وقبل السابع من أكتوبر كانت الخلافات بين القيادتين موجودة حول التعديلات الدستورية، لكن بعد ذلك زاد الخلاف حول من سيتحمل مسؤولية الحرب، خاصة وأن نتنياهو دائما يحاول تحميل المؤسسة الأمنية والعسكرية ذلك، بينما الأخيرة تحمله المسؤولية وذلك بعدما انقلب على تنفيذ صفقة تبادل الأسرى وقرر الاستمرار في الحرب، وبات لدى الجيش شعور بأنه يضيع فرصة إمكانية إنجاز شيء ما في قطاع حتى لو كان تحرير الرهائن.
وما يعمق الفجوة حالة الانقسام والخلاف بين حكومة نتنياهو والجيش هو أن الأخير بات يشعر بتورطه في غزة بسبب الحسابات الشخصية لنتنياهو، وكذلك توظيفهم لبرامج أيدلوجية وليس مؤسساتيا، مما انعكس على نفسية الضباط المقاتلين داخل غزة.
أزمة حقيقية بين الجيش والحكومة
يقول سليمان بشارات المختص في الشأن (الإسرائيلي) إن الخلافات الداخلية في (إسرائيل) تأخذ مسارين، الأول هو الخلافات ما بين المستوى السياسي والعسكري والذي ظهر بشكل جلي في التصريحات قبل يومين حول موضوع الهدنة التكتيكية في رفح، في الوقت الذي أعلن الجيش فيها عن الهدنة ونسبها إلى القرار بالمستوى السياسي، موضحا أن المستوى السياسي خرج ونفى ذلك، وبالتالي ظهر نوع من الخلاف.
وذكر بشارات لـ (الرسالة نت) أن المستوى العسكري أصدر قبل يومين توصية إلى السياسي بضرورة الانتهاء من الحرب خلال أسبوعين وبالتحديد بعد العملية العسكرية في رفح لأن الحرب
لم تعد قادرة تحقيق أهداف، وأن الثمن الذي بات يدفع بالميدان هو أعلى من الأهداف التي وضعت.
وأشار إلى أن المسار الثاني من الخلاف داخل المؤسسة العسكرية نفسها ما بين يوآف غالنت وزير الدفاع باعتباره يمثل القرار السياسي والعسكري ووزيرا في داخل الحكومة، وما بين هيئة الأركان (الإسرائيلية) وقيادة فرقة جنوب قطاع غزة، مبينا أن هذا الخلاف ظهر من خلال طبيعة الحديث عن بعض وجهات النظر.
ولفت بشارات إلى أن الخلاف يدلل على وجود أزمة حقيقية داخل الجيش والمستوى (الإسرائيلي) وبالتالي يمكن أن تشكل بداية حالة تعمق في فقدان الثقة ما بين المستويات (الإسرائيلية)، وهذا قد يؤثر على طبيعة وشكل القرارات المتخذة باتجاه الحرب.
وأكد أن نتنياهو بعد تفكك مجلس الحرب وحكومة الطوارئ يمر في مأزق وهو نتاج عدم مقدرته على تسويق أي قرار من القرارات التي يتخذها على أنها تمثل الكل (الإسرائيلي).
وأوضح أن القرارات التي يتخذها نتنياهو مشكوك فيها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، عدا عن عدم مقدرته الذهاب إلى موضوع المواجهة مع اليمين المتطرف أمثال بن غفير وسموتريتش ولهذا السبب كان خيار حل مجلس الحرب بالنسبة له وتشكيل تقدير موقف كما أسماها، حتى لا يسمح لهما الدخول إلى مجلس الحرب، ويتجنب طبيعة الضغوط التي تمارس عليه من قبلهما.
ويرى المختص في الشأن (الإسرائيلي) أن نتنياهو الآن أكثر عرضة لعدم القدرة على اتخاذ مواقف واضحة كونه بات غير قادر على تمرير أفكار تمثل كل إسرائيلي، وإنما أصبحت تمثله وإدارته لهذه الحرب، هذا الأمر بحد ذاته ينعكس على ثقة الشارع (الإسرائيلي) بقرارات الحرب واستمراريتها، وكذلك العلاقة بين واشنطن ونتنياهو، وقد لا تظهر بشكل علني لكنها في طبيعة الحال أيضا سيكون لها تداعيات، لهذا السبب واضح جدا أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تبحث فعليا عن حاجة ملحة لوقف الحرب.
وذكر بشارات أن واشنطن تحاول الضغط، من خلال الوسطاء على المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، علها تحاول الحصول على قرار تهدئة أو وقف الحرب، وتسوقه على أنه جزء من الإنجاز للإدارة الأمريكية، وليس إنجازا للمقاومة الفلسطينية.
نتنياهو بين مأزق غزة وحزب الله
وفي ذات السياق، يقول ساري عرابي المختص في الشأن (الإسرائيلي) إن هناك أكثر من دلالة على الخلافات بين الجيش والحكومة (الإسرائيلية)، أولها تصفية الحسابات المتبادلة ومحاولة التنصل من الفشل الذي حصل يوم السابع من أكتوبر واستمرار هذا الفشل في مسار الحرب طوال الشهور الثمانية الماضية دون القدرة على حسم هذه المعركة أو تحديد الأهداف الإستراتيجية والأغراض السياسية.
ويذكر عرابي لـ (الرسالة نت) أن محاولة التنصل من الفشل يدل على غياب الرؤية الإستراتيجية المشتركة والمتفق عليها ما بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية من جهة والمؤسسة السياسية من جهة أخرى.
وعن تأثير الخلافات الداخلية على حرب غزة، يرى أنها نوع من التأثير على مسارات الحرب بحسب التوازنات الداخلية، وقدرة الجيش والمؤسسة الأمنية على فرض خياراتها في مسارات هذه الحرب، مشيرا إلى أن هذا الأمر غير واضح تماما لأن القرار النهائي لرئيس الحكومة بنيامين.
ويعتقد عرابي أن الخلافات والاستقطابات بين المؤسسة العسكرية والسياسية تدلل على طبيعة الأزمة الإستراتيجية التي يمر بها الكيان (الإسرائيلي) في المعركة المركبة سواء في جنوبي فلسطين مع المقاومة داخل قطاع غزة أو في شمالي فلسطين مع المقاومة اللبنانية، وهذا الأمر قد يكون له نوع من الإنعكاسات على مسارات الحرب سواء بافتعال معركة مع حزب الله أو الذهاب نحو توقيع صفقة مع حماس لحل الأزمة سياسيا ودبلوماسيا مع حزب الله.
ويشير إلى أن الخيار الأقوى لدى نتنياهو هو تركيز المعركة مع حماس دون الذهاب نحو التصعيد مع حزب الله على الأقل حتى هذه اللحظة، ولكن الجيش يطالب إما الذهاب نحو مواجهة أوسع مع حزب الله أو توقيع صفقة مع حركة حماس وكلا الخيارين لا يبدو حتى هذه اللحظة أنهما مرجحان لبنيامين نتنياهو.
ويبدو واضحًا أن المقاومة الفلسطينية بأدائها وصمودها تعمق الخلاف بين (الإسرائيليين)، حيث ستنعكس الخلافات بين المستويين السياسي والعسكري على طاولة المفاوضات بين المقاومة والاحتلال المرحلة المقبلة.