هكذا توحش الاحتلال أكثر؛ وكل يوم يفترس ضحاياه غير مكترث لأي قانون دولي؛ فقد تكسر بعد تجاوزه كل معايير البشرية.
بالأمس، وبعد ظهر يوم الجمعة الذي تحول ليومٍ عادي، لا صلاة جمعة لتجمع أهل الخيام ولا طعام تلتف حوله العائلة؛ لا يوجد هناك سوى الخوف وقرص الشمس الذي يحرق الرؤوس داخل الخيمة..
وبينما لا ماء يصلح للشرب ليروي القلوب في مخيم المواصي غرب رفح الذي يكتظ بأناس لم يكن لديهم خيار أمكنة أخرى لينزحوا إليها بعد أن غلفت رائحة الموت كل الشوارع، تقدمت دبابات الاحتلال وكأنها جعلت من الأرواح تسليتها المحببة؛ وأطلقت قذائفها تجاه خيامهم فاشتعلت النار لهيبا توهج فأحرق كل شيء في طريقه.
على قارعة الطريق المؤدي إلى الخيمة صرخت امرأة وخرت ساقطة على الأرض وبدأ من بقي حيًا يركض ويستنجد ويحاول أن يطلب الإسعاف عبر هاتفه النقال متحديًا شبكة الاتصالات المتقطعة وصارخا بأعلى صوته "يا عالم".
بجانبه بدأ الرجال بجمع الأشلاء المحترقة وتعبئتها في كيس ثم نقلها على عربة يجرها حصان؛ قبل أن يركض كل في طريقه تاركين صرخات الثكالى خلفهم فلا معنى للمواساة بعد تسعة أشهر من الإبادة.
وقالت امرأة من منطقة المواصي إن جيش الاحتلال كان يستهدف المنطقة بضربات عشوائية منذ ليل أول أمس، وأطلق قنابل صوتية قرب خيام النازحين قبل تجمع المواطنين وارتكاب المجزرة الثالثة في نفس المنطقة التي تعتبر آمنة وفقًا لمزاعم الجيش.
ومع انتهاء النهار كتب ٢٥ شهيدًا بعضهم لم يعرف حتى الآن في كشوفات وزارة الصحة تحت عنوان " مجزرة جديدة في مواصي رفح"، بينما تركوا وراءهم ٢٥ مصابًا آخرين.
وفي غزة لم تكن المجازر أقل؛ ٣٠ شهيدًا وصلوا مستشفى المعبداني شرق مدينة غزة قادمين من شارع الجلاء، حيث قصفت طائرات الاحتلال المنازل فوق رؤوس أصحابها وتوزع الشهداء بين عابر في الطريق وجالس أمام منزله وآخر نائم على سريره.
وقبل كل هذا، وظهر يوم جمعة الأمس، أيضًا استهدفت طائرات الاحتلال كراج مقر بلدية غزة والذي يتواجد فيه لحظة الاستهداف المهندسون العاملون هناك، ما خلف ستة شهداء منهم.
هذا المقر المخصص لبلدية غزة في شارع اليرموك كان يحوي مخزون السولار والمياه المتبقية لدى البلدية وكأنه يريد أن يقتل آخر نبض للحياة في المدينة المكلومة.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل منها للمستشفيات 19 شهيداً و89 إصابة خلال 24 ساعة الماضية، لترتفع بذلك حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 37431 شهيداً و 85911 إصابة.
