ذات يوم قال وزير الحرب الإسرائيلي موشيه ديان في 1968: لديكم الشاعرة فدوى طوقان التي تكفي قصيدة من قصائدها لخلق عشرة من رجال المقاومة.
لطالما وقف الأدب إلى جانب السيف في كل المعارك عبر التاريخ، ليكون داعما ومواسيا ومنبر للتعبير عما يجول في صدور المكلومين، بل وهو الوثيقة التي تؤرخ قصصهم ومآسيهم وتشد من أزرهم ليكملوا الحكاية في بلد محتل منذ سبعين عاما، واليوم في ظل هذه المذبحة يقف كنوع من أنواع التفريغ وتثبيت الذكريات المؤلمة حتى لا تنسى .
(أقلام في خاصرة النزوح) عنوان لقاء ثقافي جمع فيه الكاتب الفلسطيني محمود البسيوني رفاقه الكتاب والمثقفين في أحد خيام النزوح في دير البلح، ليتبادلوا الكلمات والنصوص الأدبية التي تعبر عن الموقف والمذبحة والوجع الفلسطيني الذي فاق كل الخيالات.
يبدو من الصعب الكتابة عن المشهد، ربما لأنه أكبر كثيرا من كل الأوجاع، فلم تكن الفكرة حاضرة في عقل البسيوني في بداية الحرب لذهوله من الموقف وصعوبة المشهد كما قال للرسالة " في بداية الأمر كان يصعب حتى التفكير بالكتابة أو القدرة على التعبير عن المشاهد التي نراها وعن حجم المعاناة التي نمارسها للحفاظ على حياتنا، ليس انتهاء ذلك من جعل للأمر مساحة بل النفور من هذا الأمر الصعب والذي أشعرني أنني أخسر شكلي الإنساني وصفتي ككاتب وأفقد كل مقتدرات وأدوات ممارساتي الطبيعية"
وعاد البسيوني متماسكا حيث أضاف :" استشعرت خطورة ما يحدث في كواليس الحرب التي يعرف الناس أن أهداف المعارك عسكرية تدميرية للأماكن ولكن حرب غزة فاقت الاعتداء الروحي وأخذت تزرع الألغام في عقولنا وعاداتنا وثقافتنا كانت حربا على إنسانيتنا لهذا استحضرت نفسي لأعيد شكلي الثقافي واستوقفتني المسؤولية الثقافية التي لا تحتاج لمنصب بل إحساس باتجاه الواجب"
لم يكن هذا اللقاء هو الأول بل الثالث حيث سبقه لقاء أول وثاني في منطقة دير البلح ويفكر البسيوني بإقامة لقاء ثالث في خانيونس تخفيفا على كاهل الكتاب والمثقفين لصعوبة المواصلات وضعف القدرة المالية للتحرك
حضر اللقاء 17كاتب ومثقف من أصل 30 مدعو وقد اعتذر الباقي بسبب تصاعد ضربات المحتل في مناطقهم وتعرض البعض منهم للنزوح، ويقول :" أردنا إعادة المثقف والكاتب للميدان ليحمل قلمه في وجه المجهول الذي ينتظرنا بعد هذه الحرب أردنا تحريك المشاعر التي سكنها الرماد من كثرة أخبار الفقد لنصطف في وجه المحتل الذي قصف مراكز الثقافة في كل مكان "
تنوع اللقاء، وكبرت الجلسة، وكانت الكلمات شهية مؤلمة على لسان الروائيين والشعراء والمثقفين، بل وحين علم بعض الرسامين والصحافيين التحقوا باللقاء والأهم في الحضور تنوع الأجيال بوجود الروائي محمد نصار وصولا للشاعر خالد الشاعر.
وكان السؤال الأكثر حضورا في تلك الجلسة والذي طرحه البسيوني على رفاقه، كيف يؤثر النزوح على الناس بشكل عام وعلى المثقف بشكل خاص؟
حيث يجيب:" شارك الجميع التساؤل وكان من أبرز الأجوبة هو أن الحرب وما فعلته من معاناة ساوت الناس جميعا بحثا عن الطعام والشراب، وكان من أبرز الإجابات هو استمرارا اللقاءات وأيضا الكتابة وطباعة ما نكتب عن الحرب وإبراز هذه الآثار لعلاجها.
ويرى البسيوني ورفاقه الأدباء أن الثقافة والأدب هما الجبهة الداخلية الحقيقة في إحياء روح الصمود والعمل على تهذيب المجتمع لأن الخسارات في العمران يمكن بناءها لكن الخسارات في الإنسان والمجتمع تبقى إعاقة مجتمعية لا يمكن التعايش معها ، كما قال.
وتحدث البسيوني عن أهمية دور الأدب:" ومازال الادب الفلسطيني يحمل على عاتقه القضية والتحرير ولدينا الكثير من الكتاب المعروفين والأكثر الغير معروفين بسبب عدم توحد مؤسساتنا وعدم الاهتمام بالأجيال الصاعدة وإني أرى أن هناك من الشعراء والكتاب العشرينين والثلاثينين مدرسة للأدب والثقافة ويحملون رسالة حقيقة للعالم أننا شعب نستحق الكتابة ونستحق التعبير عن دواخلنا وأحلامنا"
شاركت الجمعيات الثقافية في دعم هذا اللقاء كجمعية الثقافة والفكر الحر في خان يونس، ووجه البسيوني رسالة إلى وزارة الثقافة قائلا:" كان لهم اتصال بنا وقد رحبوا بهذه اللقاءات كما فعل اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين والذي اعتذر في أخر لحظة الروائي عبدالله تايه عن الحضور بسبب وعكة صحية ونحن نأمل من الوزارة اهتمام أكبر من الثناء لننهض جميعا بالكاتب المثقف الذي سيحمل على عاتقه سلوكيات مجتمع وأيضا التوثيق لما يحدث في هذه الحرب"