تحول منزل الصحافي سعدي مدوخ في شارع الصحابة بمدينة غزة، إلى تلة من الحجارة والحديد والأسمنت، وسعدي أسفلها، بينما يحاول الجميع ببعض الأمل إخراجه حيا، ولم يفلحوا.
طائرة إسرائلية قررت أن تلحق المصور الشاب برفاقه الصحافيين الـ 155، ويصبح هو الرقم 156، ولم يكن بين رفاقه رقما عاديا، بل كل ما كتب عنه يدفعنا للتساؤل من هو سعدي مدوخ، وأي كرامة تلك التي كان يتمتع بها حتى يرثيه رفاقه بكل هذا الحزن، وكأنه الشهيد الأول في قائمة الشهداء الصحافييين.
ولم يكن سعدي مدوخ وحده في منزله، بل كان برفقة زميله الصحافي أحمد سكر، يعكفان على حلم يكشفان من خلاله حقيقة هذا المحتل، ويحاولان أن يوصلا صوتهما للعالم.
قبل أيام فقط، كتب مدوخ عبر صفحته على الفيس بوك، بجسد أنهكه الجوع والترقب منذ تسعة أشهر:" لا جلادة لي على الكتابة! ولا الحديث. حاولت مرارًا وتكرارًا أن أكون كما يود قلبي لكن بلا فائدة، الظرف أقوى من أن أقوى. طال الوقت المهدور، المجبول بالقلق واليأس بلا أفق واضح. نصحوا بمخططات باهتة كل صباح؛ كأن لدينا رفاهية الاختيار، فتنسف عند أول اختبار حقيقي في التعامل مع البشر. النسخ الجديدة من مسوخ غزة لا يمكن التعامل معها، أو حتى مجاراتها. كل يوم بتحديث جديد، بل كل ساعة أو أقل، لا نستطيع التعود حتى نفاجأ بتحديث جديد يربكنا. فراغ مرعب، يملأ حياتنا، كل شيء فيها ممتلئ بفراغ".
لقد ضاقت الدنيا على أهل الشمال، وكان مدوخ واحدا ممن دفعوا ضريبة الصمود تلك، حتى تظهر الصور كيف تغير شكله بسبب الأوزان الكثيرة التي نقصها جراء الجوع وقلة الطعام، حتى أنه كتب ذات مرة على صفحته قائلا:" تشرحش ! قول إنك من الشمال".
أجل من الشمال، وهذا تعريف كاف لمعنى الصمود الغزي الذي كان سببا في إفشال مشروع التهجير التي لا زالت (إسرائيل) تسعى لتحقيقه.
وقد شهد زملاء العمل للمصور الشاب بالكثير، فقد كان يسأل عنهم، عن الجميع حينما يغيب حتى من رحلوا إلى الجنوب، أو من سافروا خارج القطاع، كان يرسل لهم ليطمئن عليهم وهو الذي لم يكن بخير منذ تسعة أشهر .
وقد بدأ يعود إلى مباشرة عمله كمصور وقد أخبر صديقه قاسم الخواجا قائلا: كان يتفقدني بالحرب ـ قبل ما نروح نعمل الاستديو بالكوخ الخشبي و نكمل شغلنا ، هنتشاوف يا حبيب القلب و نخلص كل كوم الكركعات، سعدي مدوخ كان يعبي مياه للحارة كلها بالحرب هو و الحج ربنا يجعل كل قطرة مياه في ميزان حسناتك يا قلبي".
وقد أدان مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين، قوات الاحتلال بشدة لاستهدافها وقتلها للصحفيين في قطاع غزة، حيث استشهد الصحفيان سعدي مدوخ وأحمد سكر بعد قصف إسرائيلي استهدف منزلهما في حي "الدرج". يأتي هذا بعد يوم واحد فقط من استشهاد الصحفي محمد السكني من فضائية "القدس اليوم".
لقد رحل مدوخ تاركا وراءه طفلين وكاميرا، وحسرة جديدة للصحافة الفلسطينية، رحيل ونزيف جديد للصوت والصورة .