رغم ضعف الإمكانيات وصعوبة الأوضاع الأمنية، وسيطرت وتواجد الاحتلال بشكل مباشر ومكثف في جميع مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية، تمكن عناصر المقاومة الفلسطينية منذ بداية "طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، تنفيذ عمليتين نوعيتين ضد عناصر المخابرات الإسرائيلية "الشاباك".
وعادة ما يتبع عناصر "الشاباك"، وفقاً لما ينقله أسرى سابقون في سجون الاحتلال خلال أحاديث صحفية، إجراءات أمنية معقدة، منها عدم التعريف بأسمائهم الحقيقية أو حالتهم الاجتماعية وعدم ذكر أي معلومة أو قرينة يمكن أن تدلل على أماكن سكناهم وتحركاتهم.
ويتبع عناصر "الشاباك" إجراءات أمنية معقدة قبل الجلوس مع أي فلسطيني بعد استدعائه للمقابلة، وهي الإجراء الذي يتبعه عادة ما يطلق عليهم "ضباط المناطق في الشاباك"، وغالباً ما تكون هذه المقابلات في معسكرات الجيش أو المستوطنات القريبة من مدن الضفة الغربية.
ويخضع أي فلسطيني قبل جلوسه مع ضابط المخابرات لإجراءات أمنية صارمة، تصل لحد التفتيش العاري أكثر من مرة واستبدال ملابس الفلسطيني بأخرى يقدمها الاحتلال ونقله من مركبه معتمة إلى أخرى، وهو معصوب العينين.
وهي نفس الإجراءات التي يتبعها عناصر "الشاباك" عند جلوسهم مع المتعاونين "العملاء"، ويزيد عليها تواجد لعملاء سريين مسلحين في المنطقة القريبة من الاجتماع الذي يضم ضابط الشاباك والعميل، تكون مهمتهم التدخل عند حدوث أي طارئ.
زياد حمران.. من جنين للخليل
في التاسع عشر من آذار/ مارس الماضي، أصيب اثنان من عناصر جهاز "الشاباك" بجراح بالغة الخطورة في عملية إطلاق نار نفذها الشهيد زياد حمران من جنين قرب مستوطنة غوش عتصيون بين القدس والخليل.
ونعت "سرايا القدس - كتيبة جنين"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الشهيد حمران بعد ساعات من العملية، واصفة إياه بـ"صائد الشاباك".
ورغم محاولة الاحتلال التكتم على خلفية العملية وطبيعتها والتغطية على طبيعة الحدث، مكتفياً بالإشارة حينها إن رجلي أمن كانا في المنطقة وباغتهما مقاوم فلسطيني، غير أن المؤشرات وإعلان سرايا القدس يدلل على أن العملية تشكل اخترقاً لجهاز "الشاباك".
وأعادت هذه العملية للأذهان العملية التي نفذها الشهيد عبد المنعم أبو حميد حين قتل ضابطاً في الشاباك عام 1994، بعد أن قام بالتحايل على جهاز المخابرات الإسرائيلية وأوهم مشغله بالعمل معه.
إبراهيم منصور.. من السجن للمستوطنة
عملية حمران لم تكن الوحيدة التي ينجح فيها عناصر المقاومة في توجيه ضربة لجهاز المخابرات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر، فاليوم الاثنين كشف "الشاباك" عن اعتقال ناشط في حركة "حماس" استطاع اقتحام إحدى المستوطنات وقتل عنصر في الجهاز داخل منزله في الثامن من تموز/ يوليو الماضي.
وأعلن "الشاباك" أن إبراهيم منصور (23 عاماً) من "بدو" إحدى القريبة من مدينة القدس، استطاع التسلل إلى داخل مستوطنة "نيو جبعون" المقامة على أراضي قرية بيت إجزا شمالي غرب القدس، وتحديد منزل أحد عناصر الشاباك وقتله طعناً بالسكين.
وذكر "الشاباك" أن المستهدف في هذه العملية هو يوهاي أفني (40 عاما) أحد عناصر الأمن الذين يعملون في سجن عوفر القريب من مدينة رام الله، والذي قضى 17 عاماً في مصلحة السجون الإسرائيلية.
وعمل "أفني" داخل سجن عوفر كضابط ذو رتبة عالية ومسؤول عن وحدة الكلاب، ويُرجح أن مقتله مرتبط بعمله في سجون الاحتلال، وتعذيبه للأسرى.
وأثارت العملية تساؤلات حول كيفية تمكن منفذ الهجوم من دخول المستوطنة وتحديد منزل عنصر المخابرات بدقة واقتحامه دون أي يثير أي جلبة، وقتله بعد التأكد من هويته، خاصةً أن المكان كان مؤمنًا من قبل فرقة إنذار وجنود من الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر.
وتدلل هذه العمليات النوعية على وجود حرب عقول وصراع أدمغة تدور في الخفاء بين عناصر المقاومة الفلسطينية وعناصر المخابرات الإسرائيلية إلى جانب المواجهة المسلحة على الأرض، رغم التفاوت الكبير في الإمكانيات المادية والمعنوية.