قائمة الموقع

هكذا عاد محمد الودية إلى الحياة

2024-07-24T12:09:00+03:00
خاص- الرسالة نت

بدأت القصة الغريبة عند دخول قوات الاحتلال حي الشجاعية للمرة الثالثة قبل ثلاثة أسابيع، وبدأ السكان بإخلاء المنطقة والتوجه شرقا، وهكذا فعل أبو عمر الودية، جمع أغراضه وأطفاله، وزوجته وتحرك، وعند باب البيت باغتته طلقة من جنود الاحتلال أصابت كتفه.

انهارت العائلة بجانب الجريح الذي أخذ يفكر بزوجته وبأبنائه، وبالوقت الضيق ما بين الحياة والموت، فآثر أن يطلب منهم الركض فرارا، ووعدهم بأن يلحقهم سريعا فور التغلب على أوجاعه، فأطاعوه على ألم ووجع، وفارقوه وهم ينظرون خلفهم، وهو يطلب منهم أن يسرعوا الخطى.

ضغط بيده على جرحه، حاول أن يتغلب على الألم، بدأ بالسير بطيئا جريحا مكابدا للأوجاع الكثيرة التي أولها إصابة في الكتف، وما إن سار خطوات بسيطة حتى باغتته الدبابة، فهرول مختبئا في أحد البيوت القريبة، وهنا بدأت ليال الوجع الطويلة التي حكى عنها: "بعد يوم ونصف من الاختباء في البيت الأول بدأ الجيش بهدم البيوت المجاورة، وأنا أسمع صوت الدمار والحجارة التي تتساقط حولي ، اختلس النظر، دبابة على يمين البيت وأخرى على يساره، وحينما هبط الليل، ألقيت هاتفي وأغلقته، وهنا ظن الجميع ممن يحاولون الاتصال بي أنني قد استشهدت"

في اليوم الثالث وحينما اشتد عليه الألم، خاطر بحياته وتحرك قافزا إلى البيت المجاور، لعله يجد فيه ما يضمد به جرحه، يقول: "بلغة العقل والمنطق، أنا ميت، لكن الله أعمى عني عيون الجنود ولم يروني، وهناك وجدت سكين وموقد، تجرأت وقمت بتسخين السكين وكي الجرح حتى لا يلتهب ويتضاعف الألم ثم بدأت رحلة أخرى"

رحلته الأخرى في يومه الثالث كانت بحثا عن أي طعام، أو ماء يقضي على الظمأ الذي يشعر به، وجد معلبات فاصوليا، وشرب ماءها ليوم كامل، وفي اليوم الذي يليه رزقه الله من حيث لا يدري بماسورة مياه في الأرض، ونصف كيلو من التمر!

ظل هكذا محاصرا لأيام أخرى في نفس المنزل، يسمع صوت الدبابات وقصف الطائرات، وحركة الجنود، ويستعيذ بالله من شرهم، وفي كل دقيقة تمر، يحسب أنها الدقيقة الأخيرة، لكنه ظل صامدة لاثني عشر يوما، حتى انسحب جيش الاحتلال من حي الشجاعية.

خلال هذه الأيام الطويلة، كان يرتعش مرة، وترتفع درجة حرارته، يغيب عن الوعي ثم يصحو بفعل مضاعفات جرحه الذي لم يطبب، وفي نهاية التجربة الطويلة، بدأ يرى النيران ترتفع من البيوت المجاورة، التي حرقها الجنود، فعرف أن الاحتلال في آخر مراحل اجتياحه.

عند الرابعة عصرا، لم يعد أبو عمر يسمع صوت الجنود، ولا صوت دباباتهم، فتجرأ وخرج، وسار عائدا بجرحه حتى وصل إلى البيت الأول حيث ألقى هاتفه المحمول، فأعاد تشغيله وتواصل مع أقاربه الذين تعجبوا عند سماع صوته حيا، وحذروه أن الجنود اقتربوا من مستشفى المعمداني وبأنهم يقتحمون حي التفاح الآن، فخارت قواه أكثر، وهذا يعني أنه لن يستطيع إكمال الطريق.

مال إلى عيادة فارغة من أصحابها:" غيرت طريقي ورحت نمت في عيادة في شارع بغداد، نفسيتي تدمرت، كل ما أحاول أطلع بلاقي اليهود في وجهي، فقلت أنام وللصباح رباح"

ولعل الكوميديا السوداء التي أنهت هذه القصة، أن لصوصا جاءوا لسرقة العيادة فتعثروا بالجريح النائم وحده فيها، وحينما سألوه عن هويته، أخبرهم بقصته فساعدوه على الخروج ومشى بمساعدتهم حتى وصل إلى شوارع فيها بشر حقيقيون، وكأنه حلم طويل كان يركض فيه حتى استيقظ واكتشف أنه لا زال على قيد الحياة، بعد أن قضى اثنا عشر يوما وحيدا في بيوت وأحياء خالية إلا من جنود الاحتلال ودباباتهم.

يحتاج محمد الودية الآن لزراعة مفصل، بعد أن تماثل للشفاء وخرج من المستشفى، وتذكر مع أبناءه يوم دفعهم للفرار بأنه وعدهم بأن يلحق بهم، وقد أوفى بوعده .

 

 

اخبار ذات صلة