في أوقات الأزمات والحروب، تتجلى قوة الإنسان وإرادته من خلال أولئك الذين يرفضون الاستسلام لظروفهم القاسية. الدكتور عدي أحمد الكتري، طبيب أسنان الأطفال البالغ من العمر 31 عامًا، هو واحد من هؤلاء الأبطال الذين يثبتون أن الأمل يمكن أن يزهر حتى في أكثر اللحظات ظلامًا.
بعد يوم واحد من زفافه، وجد الدكتور عدي نفسه في خضم حرب مدمرة، مما دفعه إلى النزوح من منزله وتدمير عيادته. لكن بدلًا من الاستسلام لليأس، قرر تحويل مصاعبه إلى مصدر قوة وإلهام. مع تدمير كل ما كان يمتلكه، واصل الدكتور عدي العمل بشجاعة وتصميم، مصممًا على تقديم الرعاية للأطفال الذين كانوا في أمس الحاجة إليها.
وسط شراسة الحرب، طوّر الدكتور عدي حلولًا مبتكرة لمواصلة عمله، وأنشأ عيادة متنقلة من بقايا المواد المتاحة، محولًا كرسي سيارة مدمرة إلى كرسي أسنان، ومستخدمًا أنبوب الغاز كخزان هواء. في ظل حصار شديد ونقص حاد في الموارد، إذ تجاوز تحديات لا تعد ولا تحصى ليوفر للأطفال خدمة طبية حيوية.
في هذا التقرير، تستعرض رحلة الطبيب عدي الكتري المختص في علاج أسنان الأطفال بوسط قطاع غزة، وتلقي الضوء على ابتكاراته وتفانيه في خدمة الأطفال.
يقول الطبيب عدي الكتري، "منذ بداية الحرب، أعيش في حالة تنقل ونزوح مستمر، وأصبحت الحياة بدائية، واهتمامي الرئيسي كان تأمين الطعام، والشراب، وغسيل الملابس، بعد أن فقدت بيتي وعيادتي".
يذكر "الكتري": "أعرف عن نفسي دائمًا كطبيب أسنان للأطفال، ويأتي الأطفال إلى خيمتي يعانون من الألم، لكن لم يكن لدي أي أدوات أو مواد لعلاجهم، فقد دمرت الحرب كل شيء في العيادة".
وماذا عن التحدي الأكبر الذي واجهته في ذلك؟ يُجيب: "التنقل المستمر وعدم الاستقرار، فالحصار المفروض على القطاع منذ بداية الحرب جعل الحصول على مواد الأسنان الضرورية شبه مستحيل، وكانت أغلب المواد تُخزن في شمال غزة، مما جعلها شحيحة وغالية جدًا".
ويشرح "الكتري": "أطفالنا يعانون من نقص حاد في كل شيء؛ من الطعام، والشراب، والملابس، ويعيشون في خوف دائم من القصف، ويعانون من نقص في النظافة الشخصية وانتشار الأمراض مثل القمل، والجرب، والتهاب الكبد الوبائي، وأمراض جلدية وفطرية".
"عيادة أسنان متنقلة"..
يضيف "الكتري": "بدأت فكرة توفير عيادة متنقلة عندما حصلت على وحدة أسنان متنقلة، وحولت كرسي سيارة مدمرة إلى كرسي أسنان، واستخدمت أنبوب الغاز كخزان هواء، وجمعت الأدوات اللازمة من بين الأنقاض، وكانت حاجتي وحاجة الأطفال إلى عيادة أسنان الدافع والمحرك لي".
ويؤكد: "أقدم هذه الخدمة مجانًا لأطفال المخيمات لأنهم أكثر فئة تعاني من نقص في كل الموارد، فأطفالنا يعانون من خوف ورعب مستمر بسبب ظروف الحرب، لذا أحاول أن أوفر لهم الراحة النفسية قبل العلاج، وأجلب معي مهرجين ومنشطين لتخفيف التوتر والطاقة السلبية لدى الأطفال".
ويوضح "ضيفنا": "أبدأ الفحص برؤية الحالات الطارئة وأعطيها الأولوية، وأعتمد في تعاملي مع الأطفال على السرد القصصي لخطوات العلاج بطريقة يفهمها الطفل، وأعطيه إشارة يستخدمها لإيقاف العلاج عند الشعور بالألم، وأركز دائمًا على الإيجابيات وأشجع الطفل قدر الإمكان".
ويقول: "أغلب الأدوات التي أستخدمها هي مواد تستخدم مرة واحدة، وأقوم بتعقيم باقي الأدوات حسب الأصول في عيادة أحد الأصدقاء".
ويلفت: "نواجه نقصًا كبيرًا في المواد الطبية وأدوات التخدير، وأضطر لاستخدام المواد الطبية العامة بدلًا من مواد طب الأسنان".
ويزيد "الكتري": "أثناء الحرب، تعرفت على طفلة فقدت عائلتها بالكامل وكنت بجانبها لدعمها نفسيًا، وأحرص دائمًا على تقديم الرعاية الأولية لها من خلع وعصب جزئي وحشوات بسيطة".
ويختم بنصيحةٍ للأهالي، "الاهتمام دائمًا بنوعية الطعام والشراب وطريقة تفريش الأسنان للحد من تسوس الأسنان".