لم يكن إبراهيم الغولة يريد الموت، كان محبا للحياة، أب لثلاث أطفال وزوجة قالت له في بداية الحرب حينما طلب منها النزوح " أموت ولا أبعد عنك، بختار الموت ولا فراقك، أنت كل أهلي ودنيتي " وهكذا ظل الجميع في شمال غزة، مرابطين هناك ثابتين، ولكن طائرات الاحتلال التي قتلت مدينة كاملة، لم يكن صعب عليها أن تقتل أبا وأما وأبناءهم كما قتلت الكثيرين قبلهم.
يقول إبراهيم في آخر ما كتبه عبر صفحته : لا أريدُ أن أنتهي في كيس !!أتنازلُ عن كل شيء، عدا موتي! أريدُ كفنًا كاملًا ،،طوله192 سنتمترات ، لا أتنازلُ عن جثّتي، بل أريدها كاملة، أريدُ ذراعيّ ، وقدميّ وقلبي ورأسي ، وأصابعي العشرين ، وعينيّ أيضًا، أريدُ أن أعود لِرحمِ الأرض، كما خلقتُ منها ، نفس الأرض هنا في هذه البلد لا أمانعُ إن دفِنتُ في قبرٍ جماعيّ ، لكني أريد اسمي على الشاهد، عمري كذلك، وأني من هنا، من هذا الوطن الذبيح، وأودُّ برجاءٍ حدّ المرارِ، أن يكون قبري في مقبرةٍ حقيقية ،لا شارع لا رصيف ،لا شيء آخر، كأمنية اخيرة لنا، وحق لنا الوداع.
هكذا رحل مع زوجته وابنه، وبقيت ابنتيه في العناية المركزة حتى اللحظة، وكأنه كتب نعيه وأمنيته، التي حقق بعضا منها، فبقي جسده الميت كاملا ودفن بعناية الله كما أراد.
لكن حي الشجاعية يعرف إبراهيم حق المعرفة، فلقد كان يعمل على مساعدة المحتاجين، يواري الجثامين، ويسقي العطشى ويساعدهم على توفير المياه، ثم في اللحظة المليئة بالأمل يعمل على توثيق كل صورة مع أطفاله، يغني مع بناته" أطفالك يا فلسطين" يضحكون وهم يركضون في فضاءات النزوح وتحت قصف الطائرات، ثم جاءت طائرة لتنهي كل شيء، وتنقلهم إلى الراحة الأبدية التي لا جوع فيها ولا ظمأ .