أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" الفلسطيني، أمس الاثنين، تقريرًا "صادمًا" كشف تعمد الاحتلال الإسرائيلي اتباع إستراتيجية "قطع النسل" خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وقدمت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، ورقة حقائق بعنوان "قطع النسل، إحدى إستراتيجيات الإبادة الجماعية في العدوان الحربي الإسرائيلي"، بهدف إظهار ممارسات الاحتلال في الإبادة الجماعية المتواصلة في القطاع.
وجاء إصدار هذه الورقة لتسليط الضوء على الإجراءات التي اتخذتها "إسرائيل" مستهدفة قطع نسل الفلسطينيين في حربها على غزة، وفرض "تدابير تحول دون الإنجاب"، بما في ذلك عبر قتل النساء الحوامل، وقتل الأطفال، وتدمير المراكز الصحية، والتجويع، وتحويل قطاع غزة مكانًا غير قابل للحياة.
محو عائلات وقتل الحوامل
وأضاء التقرير ضمن الورقة التي قدمتها الهيئة أن من بين الإجراءات التي قام بها الاحتلال بهدف "قطع نسل" الفلسطينيين في قطاع غزة تعمد ارتكاب المجازر الجماعية، والتي أدت إلى محو عائلات بكاملها عن السجل المدني في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن النساء والأطفال يشكلون 75% من عدد الضحايا.
وركزت الورقة على استهداف النساء الفلسطينيات الحوامل من خلال القتل المباشر، أو دفعهن للإجهاض، أو الولادة المبكرة، إضافة لتعمد سياسة التجويع، وكشف أنه حتى أيار/ مايو الماضي، كان هنالك 60 ألف امرأة فلسطينية حامل، واستدركت الهيئة بالقول في تقريرها:" مشاهداتنا تؤكد أن إسرائيل قتلت العديد من النساء الحوامل مع أجنتهن خلال العدوان".
وأفاد التقرير بأن حالات الإجهاض ارتفعت معدلاتها عمّا قبل الحرب إلى 300% بسبب الخوف والقلق والتوتر الناجم عن هجمات الاحتلال على المدنيين، إضافة للجهد البدني والنفسي الذي يستزف النساء الحوامل خلال عمليات النزوح.
وأسفر العدوان الإسرائيلي عن استشهاد 39363 فلسطينيًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 90923 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفي الطرقات حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وأوضحت الهيئة المستقلة، أن غياب الرعاية الصحية خلّف معاناة لـ15% من النساء الحوامل، اللواتي يعانين بسبب ذلك من مضاعفات الحمل والولادة. كما ارتفعت نسبة الولادات المبكرة، التي "تخلق تهديدًا لحياة الأم والطفل معًا".
وقال التقرير: "نظرًا لعدم الوصول إلى الإمدادات الطبية الضرورية بما في ذلك الدواء، يضطر الأطباء إلى إجراء استئصال غير ضروري للرحم من أجل إنقاذ الحياة، مما يجعلهن غير قادرات على الحمل مجددًا".
وأكدت وزيرة الصحة الفلسطينة السابقة مي كيلة، أن "الخيار الوحيد المتاح أمام النساء الفلسطينيات في غزة، اللواتي ينزفن بعد الولادة هو الخضوع لتلك العمليات من أجل إنقاذ حياتهن".
القضاء على الأجنة
وعرّج التقرير على أزمة سوء التغذية، والماء غير الصالحة للشرب، وتأثير ذلك على النساء المرضعات، مؤكدًا أن كل ما ورد سيكون له تأثير كبير في تراجع عدد الولادات الحية المتوقعة للسنوات القادمة.
وأضاء التقرير على استهداف إسرائيل لمركز الإخصاب وأطفال الأنابيب، خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والذي قضى على أكثر من 4 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب.
وقال مدير مركز "البسمة"، الذي استهدف في الضربة الإسرائيلية، إن نصف الأزواج على الأقل ممن فقدوا عينات خاصة بهم لن يكون بمقدورهم الإنجاب مرة أخرى.
كذلك، أشار التقرير إلى الحرب التي تشنها إسرائيل على الأطفال، حيث قتلت إسرائيل حتى أيار/ مايو الماضي أكثر من 15 ألف طفل فلسطيني في غزة، منهم أطفال ولدوا في الحرب نفسها، ومنهم الخدج في المستشفيات.
توصيات
وكانت محكمة العدل الدولية قد وجدت في 26 يناير/ كانون ثاني 2024 أساسًا معقولًا لارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة، حيث اتجهت المحكمة إلى فرض تدابير مؤقتة على إسرائيل، لمنع ارتكاب جميع الأفعال المكونة لجريمة الإبادة الجماعية.
وخلصت الورقة إلى جملة من التوصيات أهمها، ضرورة تدخل دول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وتحمل مسؤولياتهم القانونية بإجبار "إسرائيل" على تنفيذ قرار محكمة العدل، بما في ذلك الأعمال ذات الصلة بمنع الإنجاب داخل الجماعة
كما يجب على المجتمع الدولي، سواءً الحكومات والمنظمات الدولية خاصة الأمم المتحدة، الضغط على "إسرائيل" لإجبارها على تنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 2728 بشأن وقف إطلاق النار، وفق الورقة.
وطالبت الهيئة مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية المباشرة فورًا بإجراء تحقيقات جنائية مع أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية (الكابينيت)، وقادة جيش الاحتلال بمن فيهم رئيس الأركان بشأن ارتكابهم لأعمال الإبادة الجماعية، بما في ذلك عبر فرض تدابير تحول دون الإنجاب داخل الجماعة.