استقبلت غزة التي لا تنام مع ساعات صباحها الأولى خبرا كانت تضع يدها على قلبها منذ عشرة أشهر خوفا من الموعد الذي سيأت ناقلا هذا الخبر، حيث اغتالت قوات الاحتلال رجل المقاومة الأول القائد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي في حركة حماس، في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد في طهران.
هكذا أشرقت شمس غزة وهي تنعي قتلا جديدا لوالد الشهداء الذي صبر على حربين، حرب إبادة شعبه الذي ينتظر صفقة تعلن بوادر النصر، وحربه الشخصية التي فقد فيها أبناءه وأحفاده خلال اغتيال مباشر في معسكر الشاطئ في قطاع غزة قبل أشهر.
وها هو والد 50000 شهيد يترجل شهيدا كخاتمة تليق بالمتمسك بثوابته والمصر على هذا التمسك .
كانت التعابير قد خانت الغزيين حدادا وهم اللذين يفتحون سرادق عزاء منذ عشرة أشهر، فهم يستطيعون أن يتصوروا قائدهم شهيدا ضمن الشهداء كما اعتبر هو أبناءه قبل أشهر، لكنهم يعلمون أن قائدهم يحمل يده في كفه منذ قدم رجله اليمنى داخلا إلى محراب المقاومة .
القائد إسماعيل عبد السلام أحمد هنية (29 يناير 1963 – 31 يوليو 2024) شغل منصب رئيس وزراء فلسطين بعد فوز حركة حماس بأغلبية مطلقة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م.
وهو ابن مخيم الشاطئ للاجئين الذي ولد فيه في الثالث والعشرين من مايو عام 1963 والذي عاش فيه مرارة النكبة الأولى، حيث لجأ إليه والداه مهاجرا من مدينة عسقلان عقب النكبة، لتكون الهجرة الأولى التي ورثها عن والده، أول قواعد الالتحاق بركب الثابتين على مبدأ المقاومة والجهاد.
تلقى تعليمه في الجامعة الإسلامية في غزة. في عام 1987 تخرج منها بعد حصوله على إجازة في الأدب العربي، ثم حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الإسلامية عام 2009.
بدأ طريقه ناشطا طلابيا في الكتلة الإسلامية التي كانت تمثل الذراع الطلابي لحركة حماس، ومنها انبثقت حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعمل عضوا في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية في غزة بين عامي 1983 و1984، ثم تولى في السنة الموالية منصب رئيس مجلس الطلبة، وبعد تخرجه عمل معيداً في الجامعة، ثم تولى الشؤون الإدارية بعد ذلك.
في عام 1989 ذاق إسماعيل هنية مرارة الإبعاد إلى مرج الزهور مع قادة غيره في الحركة، ثم بعد قضاء عام في المنفى عاد إلى غزة، وتم تعيينه عميداً في الجامعة الإسلامية بغزة.
وفي عام 1997عُيِّن رئيساً لمكتب الشيخ أحمد الزعيم الأول لحركة حماس، بعد إطلاق سراحه. تعزز موقعه في حركة حماس خلال انتفاضة الأقصى بسبب علاقته بالشيخ أحمد ياسين وبسبب الاغتيالات الإسرائيلية لقيادة الحركة. في ديسمبر 2005 ترأس قائمة التغيير والإصلاح التي فازت بالأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية عام 2006م.
في 16 فبراير 2006 رشحته حماس لتولي منصب رئيس وزراء فلسطين وتم تعيينه في العشرين من ذلك الشهر، ثم أقاله الرئيس محمود عباس من المنصب بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة فيما يعرف بالحسم، و في 30 حزيران 2006 هددت الحكومة الإسرائيلية باغتياله ما لم يفرج عن الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط.
حرص هنية على المصالحة الفلسطينية مع حركة فتح وأعلن تنازله في كثير من المرات عن رئاسة الحكومة في إطار المصالحة الشاملة، وتنازل عنها فعليا في 2 يونيو/ حزيران 2014 لرامي الحمد الله، وقال هنية عند تسليمه الحكومة: «إنني أسلم اليوم الحكومة طواعية وحرصا على نجاح الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها في المرحلة القادمة».
في الرابع عشر من أبريل الماضي اغتالت طائرة مسيرة ثلاثة من أبناء إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ في مدينة غزة
واليوم يُغتال إسماعيل هنية على يد الغدر الصهيونية، وهو يعلم تماما أنه سيكون جزءا من وقود معركة فلسطينية ضمن المعارك الطويلة التي لا زال شعبنا يخوضها، وهو محمل بالثبات الذي ولد عليه ولم يغيره منصب أو ترحال في بقاع الأرض، وقد كان حلمه متجسدا دوما في الإفراج عن الأسرى مهما كان الثمن غاليا وكان يردد:" لا وألف لا.. الموت ولا الذلة.. الموت ولا المساومة على حرية هؤلاء الأبطال"