ردًا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، أمر المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي بالأمس بضرب (إسرائيل) بشكل مباشر، وذلك كما جاء على لسان ثلاثة مسؤولين إيرانيين لصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية.
وقال عضوان في الحرس الثوري بالإضافة إلى مسؤول ثالث إن خامنئي أصدر الأمر في اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني صباح الأربعاء، بعد وقت قصير من الإعلان عن استشهاد هنية.
وتساءلت الصحيفة الأميركية عن مدى قوة الرد الذي تحدثت عنه إيران وما إذا كانت ستتراجع عن القرار لتجنب التصعيد، وحسب تقرير الصحيفة وعلى لسان المصرحين فإن القادة العسكريين الإيرانيين يدرسون شن هجوم آخر مشترك باستخدام الطائرات المُسيّرات والصواريخ على أهداف عسكرية في محيط تل أبيب وحيفا، لكنهم سيحرصون على تجنب توجيه ضربات إلى أهداف مدنية.
الباحث الدكتور علي الأعور لفت في مقابلة مع الرسالة إلى أن عملية الاغتيال في قلب إيران تؤكد من جديد قدرة الموساد على الوصول إلى أهدافه، ومن ضمنها اغتيال هنية، كما أن نتنياهو يعتبر أن هذا الحدث إعادة لهيبته وللمؤسسة العسكرية، ويعده إنجازا كبيرا جدا.
هذه العملية تمثل منعطفا خطيرا في المواجهة بين حماس و(إسرائيل) وسيكون لها تأثير على المفاوضات، لكن في النهاية ستتم صفقة الأسرى، وسيكون للحدث تأثير في ظل قصف ممنهج واغتيالات تمت في قلب بيروت، وهذا التطور قد حصل على تشريع ودعم كامل من الكونجرس الأمريكي، كما يشير الأعور.
اليوم يعود نتنياهو إلى سياسة اغتيال القيادات وهذا مؤشر لوقوف أمريكا والتزامها مجددا بدعم (إسرائيل) والدفاع عنها، وسيكون هناك ردة فعل من حزب الله، لكن لا يتوقع الأعور أن تكون قوية لأنه سيتفادى أيضا تصعيد ووصول الأمر لحرب شاملة.
ووفقا لقواعد الاشتباك، يتوقع الأعور أن الرد سيكون محدودا، وقد نجح نتنياهو بهذا الحدث في إبعاد الشارع الإسرائيلي عن الانقلاب عليه ونشوب حرب أهلية داخل (إسرائيل)، وبذلك يمكنه أن يستعيد تدريجيا شعبيته في داخل المجتمع الإسرائيلي من خلال هذا الاغتيال، وقد أثبتت ذلك الاستطلاعات الأخيرة وجعلت نتنياهو يتقدم عشر نقاط عن خصومه السياسيين، وحمى نفسه من انقلاب وشيك من المؤسسة الدينية على حكومته، كما يقول الأعور.
ويرى محللون أن عيون المجتمع الإسرائيلي توجهت قليلا إلى الخارج بعد هذا الاغتيال الكبير، وهذا أعطى المجتمع الإسرائيلي بعض الهدوء بعد أن كان ثائرا على نتنياهو، وقد حقق فرصة لأيام قادمة بأن يلتزم المجتمع الصمت والهدوء قليلا ويكسب وقتا إضافيا آخر في المماطلة.
المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي سليمان بشارات يؤكد ما قاله الأعور حيث أن نتنياهو أراد من خلال هذا الاغتيال ترميم صورته السياسية وتقديم هذا الحدث كإنجاز، ثم اختيار المكان له دلالات من وجهة نظر بشارات، أولها الرد الإيراني الذي جرى في السابق بعد عملية الاغتيال التي جرت في القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أشهر، وقد كان الرد الإيراني كسر للقواعد الأساسية وهي الآن ترد الصفعة لإيران بالاغتيال على أراضيها.
وحسب تقدير بشارات فإن الهدف الثاني من الاغتيال على الأراضي الإيرانية هو أنه جرى بعد ساعات قليلة من استهداف على ضاحية بيروت وغارة شنتها القوات الامريكية على قوات الحشد الشعبي في بغداد، وبعد أيام من استهداف ميناء الحديدية، وبذلك يوضح: أرادت (إسرائيل) أن تقول إن المعادلة التي بنيت من محور المقاومة لا يمكن لها أن تصمد أمام (إسرائيل) ويمكنها التعامل معها جميعها حتى لو تطلب الأمر أن يكون على أعلى مستويات الرد.
تأثير ذلك يقودنا إلى المحددات الأساسية التي وضعتها (إسرائيل) أولا، وهو الموقف الأمريكي التماهي مع (إسرائيل) والذي ظهر في خطاب نتنياهو داخل الكونجرس وكأنه بطل قومي يهودي أمام الولايات المتحدة، والأمر الثاني أن نتنياهو سوّق لنفسه ولـ(إسرائيل) أمام الولايات المتحدة، وكأنها تحمي الولايات المتحدة، فمن واجبها أن تقدم كل دعم عسكري وأمني وسياسي، وأن أي رئيس أمريكي لا يستطيع التراجع عن ذلك، حسب ما قاله بشارات.
وفي نفس السياق، يرى بشارات أن ينيامين نتنياهو قرأ حالة الضعف في حكومة بايدن وحزبه الذي يلملم أوراقه أمام منافسه ترامب، وأراد نتنياهو أن ينفذ كل ما يريد ويلقي الأمر للولايات المتحدة لتنظيف مواقفه وهذا واضح من بداية الحرب.
كما أن نتنياهو يريد أن يبقي خيوط المواجهة بين يديه، ولا يريد أن يسمح للشارع أو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن تتجاوزه، لذلك هو يمسك بكل خيوط وملفات هذا المسار.
وحسب بشارات فإن هناك سيناريوهات في الرد، الأول يقول إن أن محو ر المقاومة بمختلف مسمياته قد يلجأ إلى علمية رد منضبطة على غرار رد طهران في أعقاب استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق بحيث يكون رد على كل المواقف: الحديدة، بيروت، العراق، اغتيال هنية، ويكون هذا الرد موحد على كل هذه الهجمات.
السيناريو الثاني – حسب بشارات- أن تشكل عملية الاغتيالات إنجازا لـ(سرائيل) يؤهلها للذهاب إلى صفقة سياسية من خلال الولايات المتحدة بحيث يكون هناك نوع من المقايضة، أن لا يكون هناك رد كبير ونهائي من المقاومة، مقابل إنجاز الصفقة.
السيناريو الثالث والذي وصفه بشارات بالسلبي والمجنون، وهو أن تعتبر (إسرائيل) أن هذا تفوقا ووقودا يشعرها بالنشوة ويذهب نتنياهو باتجاه بداية مرحلة جديدة لفتح جبهات متتالية تؤدي إلى حرب شاملة، ويزج بالولايات المتحدة فيها وتكون هي رأس الحربة وتتحمل التبعات الأساسية بشكل أو بآخر. مضيفا "هنا يستطيع نتنياهو خلط الأوراق ويعتمد على ضربات أمريكا لتدمير محاور المقاومة ويظل نتنياهو يشعر بأنه حقق ذلك وهذا سيناريو قريب للواقعية من وجهة نظر بشارات"
الكاتب والمحلل فراس ياغي يعتقد جازما أن هناك ردا قادما وقويا من إيران، لأن ما حدث خلال عشر ساعات في لبنان والعراق وايران يشير الى أن (إسرائيل) تستدعي الحرب، ويعتقد أن ذلك معتمدا على حجم التنسيق مع الولايات المتحدة التي لن تسمح بأن يكون لإيران دور فاعل وأساسي لفرض موازين جديدة داخل المنطقة.
ويضيف في مقابلته مع الرسالة "لذلك أقول إن أمريكا جاهزة دائما لحماية (إسرائيل) ظالمة أو مظلومة وترى فيها قاعدة أساسية لها، وهي تبحث الآن عن كيفية استسلام المقاومة في غزة لذلك هي تريد عن حلول ضمن هذا النفاق.
بعد كل هذا التراجع في إمكانية حدوث صفقة كان الرد واضح من قبل (إسرائيل) عبر عمليات الاغتيالات، والتي آخرها اغتيال هنية في طهران بالذات، و هو إشارة- من وجهة نظر ياغي- إلى أنه لا أحد في إيران يستطيع أن يحمي من تدعمهم إيران، وقد وضع هذا الاغتيال إيران في موقف محرج وضربة لهيبتها في المنطقة، وكأن الاحتلال يقول لها إنه هو فقط اليد العليا، لافتا أن علينا الآن أن ننتظر كيف سيكون الرد الإيراني القادم.