في الثاني والعشرين من مايو الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال منزل السيدة وفاء جرار في مدينة جنين واعتقلتها عنوة بعد تدمير جزء من منزلها والعبث بمحتوياته، وضرب ابنتها أمامها.
السيدة جرار، هي ناشطة محلية ومنسقة رابطة أهالي شهداء وأسرى جنين، وأم لأربعة أبناء، وزوجها عبد الجبار محمد أحمد جرار (58 عاما) معتقل منذ 7 فبراير/شباط 2024 وصدر بحقه أمر اعتقال إداري 6 أشهر، علمًا أنه اعتقل مرارا سابقا وأمضى 16 عامًا بالسجون الإسرائيلية. الأم الفلسطينية التي مثلتها وفاء جرار عرفت تلك السيدة حق المعرفة، من وقفتها إلى جانب العائلات في جنين، وإلى اللحظة التي اعتقلت فيها، والتي تحولت فيها أقدار السيدة إلى مأساة، بدأ باتخاذها كدرع بشري خلال اقتحام المخيم، ثم حينما تفجرت سيارة الاحتلال التي نقلتها، لتتحول إلى مستشفى سوروكا بإصابة بالغة، ثم تبتر قدماها نتيجة لذلك، وتظل تقاوم في المستشفى معتقلة مكبلة جريحة حتى أعلن عن استشهادها اليوم.
جرار هي إحدى مرشحات قائمة القدس عن مدينة جنين، تزوجت مبكرا، فكبرت على يد زوجها الأسير عبد الجبار جرار، وبدأت أول تجربة اعتقال لزوجها وهي في الثامنة عشر:" كنت في ذلك الوقت أم لطفلين بدون زوج، فكنت أنا الأم والأب. ولكي تكون الخاتمة لائقة بالصابرات عانت السيدة جرار قبل شهر، بعد الإفراج عنها بدون قدمين، وتراجع وضعها الصحي نتيجة الإهمال الطبي الذي تعرضت له على يد السجان في مستشفى سوروكا.
ولم يكن الظلم بعيدا عن زوجها الأسير، الذي لم يعلم بإصابتها بعد انقطاع التواصل بين الأسرى والعالم الخارجي، فكتب الأسير حازم الفاخوري قائلا:" كثيرة هي اللحظات المؤلمة التي عشناها داخل الأسر, لكن هنالك لحظات لها وقع خاص على الأسير ونفسيته، ومن هذه الصور التي عشتها خلال تجربتي الأخيرة حين نقلت لأخي عبد الجبار جرار ( أبو حذيفة ) خبر إصابة وقطع قدمي زوجته أم حذيفة (وفاء جرار).
يكمل الفاخوري:" التقيت به جالسا في أحد أقفاص الانتظار قبل زيارة المحامين لبعض الأسرى، وقد تفاجأت به خاصة أن آخر مرة التقيت به فيها كانت قبل أكثر من عشرين عاما، وكنت أظن أنه كان يعلم بخبر إصابة أم حذيفة، حيث كنا قد علمنا بالخبر منذ نحو شهر، فسألته عن صحتها ووضعها فتفاجأت بأنه لا يعلم شيئا عنها ، ثم سألني ماذا حصل معها ؟.
يكمل الأسير :" لم أستطع تمالك نفسي فدمعت عيناي وقمت وعانقته، ثم سألني مرة أخرى هل استشهدت؟ أجبته بلا, فسألني هل اعتقلت؟ قلت له: نعم ولكن تم الإفراج عنها بعد أن أصيبت في قدميها وأنه تم قطع قدميها، فقام وسجد لله شاكرا وقال الحمد لله على كل حال لقد سبقتها قدماها إلى الجنة - إن شاء الله - ونحن لسنا أفضل من أهل غزة الذين قتل أطفالهم ونساؤهم وقطعت أشلاؤهم وهدمت بيوتهم, ثم قام مرة أخرى وصلى ركعتين دعا الله فيهما دعاء طويلا,".
تعلم وفاء جرار أن نصيبها من استقرار العائلة كان قليلا، ونصيبها كفتاة صغيرة تزوجت وهي تبحث عن فرح شحيح مخلوط بواقع زوج مقاتل، فأصبحت مقاتلة إلى جانبه.
رقدت جرار في قسم العناية المركزة بمستشفى ابن سينا في جنين بعد خضوعها لعملية بتر داخل مستشفيات المعتقلات، وبعد أن أطلق سراحها وسلمها لمستشفى جنين، تبين أنها مصابة أيضا بكسر في القفص الصدري والعمود الفقري، والتهاب في الدم وتهتك في الرئة، فلم يستطع جسدها التحمل أكثر.
حررت جرار في الصفقة التي تمت خلال الهدنة الأولى في هذه الإبادة، ولكنها سياسة الاحتلال الذي لا يحترم الاتفاقيات، عاد إلى اعتقالها بعد أن شكلت درعا من خلال رابطتها لأهالي الشهداء والجرحى واحتضنتهم فأخافت الاحتلال بشعبيتها.
يقول ابنها الصحافي حذيفة :" تم اعتقال والدتي الساعة السادسة، والانفجار الذي يدعي الاحتلال إصابتها خلاله الساعة العاشرة، وتركت تنزف لأربع ساعات قبل أن يحولها إلى المستشفى التابع للمعتقل، ورفض تسليمها إلى عائلتها حتى تأكد بأنها في غيبوبة النهاية ".
28 أسيرة فلسطينية معتقلة تحت مسمى الملفات السرية، أو الاعتقال الإداري، الذي يحتجز فيه عمر الأسير لسنوات متقطعة تصل إلى عشرين عاما، دون توجيه تهمة واضحة، حتى يستنزف كل قوته وحياته وصحته، وهذا ما حدث مع الشهيدة وفاء جرار.
سيتذكر أهالي جنين السيدة التي كانت تواسي أمهات الشهداء:" نيالكن، سيسحبكن أولادكن إلى الجنة" فترد عليها الأمهات:" ونحن سنسحبك معنا إلى هناك".