حرب إبادة أخرى بالضفة تستهدف مقاومتها المتنامية

الضفة الغربية المحتلة- خاص الرسالة نت

تشتعل الضفة الغربية المحتلة تدريجيا، ويوما بعد يوم يزداد الأمر خطورة، وتزداد اقتحامات الاحتلال للمخيمات، بل وتقصف الطائرات مخيم جنين بدون رحمة، والأوضاع تتحول إلى كارثية في مخيمات جنين ونور شمس، شهداء يزداد تعدادهم حتى وصل إلى 420 شهيدا، و9500 أسيرا منذ السابع من أكتوبر، آخرهم كان 30 مواطنا اعتقلهم بين الأمس واليوم.

وفي فجر اليوم كما كل يوم، استشهد 4 شبّان بعد منتصف الليلة الماضية، فقد حاصرت قوة من جيش الاحتلال بيتا في بلدة عقّابا بطوباس، فيما واصلت القوات اقتحامها لمدينة جنين ومخيّمها، ونفّذت عمليّات اعتقال ومداهمة في أرجاء متفرقة بالضفة الغربية فجر الثلاثاء.

وقالت وزارة الصحة إن الاقتحام الإسرائيلي لبلدة عقابا بطوباس، أسفر عن استشهاد الطفل بلال عز الدين صوافطة (14 عامًا)، وأيسر محمد أبو عرة (36 عامًا)، ونور محمد الياسين (19 عامًا)، وعميد ياسين غنام (19 عامًا)، وإصابة 7 آخرين.

وما حدث بدأ ما قبل الفجر حينما تسللت قوة إسرائيلية خاصة تبعتها تعزيزات عسكرية إلى بلدة عقابا بطوباس، وحاصرت أحد المنازل، وفي الأثناء اندلعت اشتباكات ومواجهات، وفجّر مقاومون عبوات ناسفة محليّة الصنع بآليات الاحتلال.

وبالأمس أقدم الاحتلال على عمليتي اغتيال، الأولى عند السادسة صباحا، شمال المدينة بين بلدتي عتيل وزيتا، بالقرب من طولكرم، حينما استهدف الاحتلال سيارة وقتل خمسة من المقاومين بينهم قائد كتائب القسام في طولكرم ونور شمس، ثم بعد عملية الاغتيال اقتحم مخيم طولكرم، دمر وخرب وحول الأوضاع إلى كارثة، حيث رصدت أصوات في شمال المدينة، بين الجبال المنتشرة في دير الغصون.

نصب الجيش كمينا لخلية ثانية بين الجبال، أطلق النار على مركبة كان يستقلها أربعة مقاومين آخرين، استشهدوا، وسرق الجنود جثامينهم، وانتشرت الدماء واختلطت بكروم الزيتون، ليكون الناتج تسعة شهداء في طولكرم، بين شرقها وشمالها، والدمار الشامل بين الدماء المسكوبة .

وفي هذه اللحظات بالذات تقصف جنين، والتي بدأت مقاومتها ما قبل السابع من أكتوبر، بعرين أسود يمتد كل يوم إلى المدن المجاورة، ويزداد تمدده مع توغل الاحتلال أكثر في دماء أهالي قطاع غزة .

ويعاني الأهالي في هذه اللحظة من عدم قدرتهم على الوصول بجرحاهم إلى مستشفيات المدينة، دمرت الجرافات السوق المركزي في المدينة، والطرق الرئيسية الواصلة إلى المنطقة الصناعية شرق المدينة، والتي جرفت آليات الاحتلال كثير من المتاجر فيها، بينما منعت المواطنين من الوصول لتفقد هذه المتاجر، بل وخلعت الأبواب وسرقت البضائع التجارية وأتلفتها.

ما يجري من جرائم في جنين وطوباس وطولكرم أشبه وإن كان أقل كثافة من الجرائم الممارسة على غزة، سبعة إصابات بالإضافة إلى الشهداء خطيرة ولم تصل حتى اللحظة إلى مستشفى جنين .

عماد البشتاوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل تحدث عن تصاعد الأوضاع في الضفة وبالذات في جنين وطولكرم قائلا:" منذ السابع من أكتوبر والاحتلال يحاول تحقيق أفكاره اليمينية التي لم تعترف بأي لحظة بخطة الانسحاب من غزة وإيقاف الاستيطان، ونتنياهو تحديدا قد عارض خطة الانسحاب وركز كل هجماته تحديدا في شمال الضفة بالإضافة الى غزة، وهكذا يعيد الأوضاع الى ما قبل 2005.

يضيف: إسرائيل تحاول الترويج لعبارة" شمال الضفة هو عبارة عن غزة الصغرى" وهو تمهيد إلى ضرب شمال الضفة وهدفه إعادة الهيمنة الكاملة من خلال القيام بما تقوم به في غزة، تدمير شوارع، وبيوت وتجرف في طريقها حتى السيارات على جوانب الطرق، وهو تصعيب الحياة على الفلسطيني من خلال تدمير ممتلكاته، ليفكر الفلسطيني في النزوح إلى وسط الضفة وجنوبها لتصبح هذه المناطق شمالا مؤهلة للاستيطان، وهذا ما تسعى حكومة الاحتلال لتحقيقه"

ولعل نسبة الأطفال بين الشهداء والتي كانت الأكبر تعزز ماقاله البشتاوي، ومعظمها على يد مستوطنين مسلحين، وهذا السعي الممنهج للدمار والقتل لا ينفصل عن نهج الإبادة والاعتقال والتدمير في قطاع غزة، وفق تأكيده.

كما يرى عصام عاروري مفوض الهيئة المستقلة لحقوق الانسان أن الاحتلال يسعى لتصفية القضية الفلسطينية، ومن ضمن محاولاته السعي لطمس وكالة الغوث تعزيزا لطمس قضية اللاجئين.

ويضيف: في مخيم نور شمس ضربت شبكات الكهرباء والاتصالات وحطمت البنية التحتية، وها هو الدور يصل أيضا الى مخيم عقبة جبر وعين السلطان في أريحا، وهي مؤشر على امتداد جريمة الإبادة الى الضفة الغربية، ويخشى من توسعها كلما ضاقت السبل في قوات الاحتلال التي لم تستطع النيل من غزة رغم مئات الالاف من الأطنان من القنابل والذخائر .

ويرى المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي سليمان بشارات أن منهجيات الضفة وحجمها يختلف عن غزة، ولكن الاحتلال يتعامل معها بنفس الطريقة وإن كانت أقل، لافتا إلى أن الضفة لم تغب عن المواجهة، وتشكلت مراحل مرحلة جديدة مرتبطة بالمخيمات انطلاقا من مخيم جنين .

ويضيف بشارات: الآن نحن في مرحلة أكثر تطورا من حيث الأداء في الضفة وحضورا وأكثر مشاركة وتكتيكا والتي أقلقت الاحتلال بشكل كبير ولا زالت، لذلك فقد بدأ الإعلام العبري يتحدث فعليا عن مدى خطورة تطور العمل المقاوم في الضفة الغربية .

ومع هذا الانتقال الممنهج والذي تحول من محاولات فردية إلى مجموعات منظمة ومتوسعة للمقاومة الأكثر جرأة، تحاول إسرائيل -كما يرى بشارات- أن تتعامل مع هذه الحالة في الضفة بأكثر من شكل، فقد بدأت بالإنذار والاعتقال ووصولا الى الردع والقتل، وها هو يبدأ بمرحلة الحسم وهو يريد أن ينهي المقاومة بشكل تام من خلال القصف بالطائرات وتدمير البنى التحتية والهدم في مخيمات الضفة الغربية .

ويضيف بشارات: من جانب آخر أصبح هناك إجماع لدى المراقبين الإسرائيليين أن مبدأ ما لا يأتي بالقوة يأتي بمزيد من القوة، وقد عمل منذ السابع من أكتوبر على فرض عقوبات كثيرة وتعزيزها معتقدا أن هذا سيمنع انخراط الضفة في أي مواجهة، وأنا أرى أن ذلك يأتي بنتائج عكسية مخالفة لتوقعات الاحتلال.

والخلاصة حسب بشارات أن ما يعمل الاحتلال على تعزيز استيطانه من خلال القتل والقمع والاعتقال وشرعنة المستوطنات وتسليح المستوطنين هو مقدمة لتصعيد حالة المواجهة أكثر وهي مرهونة بغزة في الدرجة الأولى، ومرتبطة بإنهاء الحرب في غزة وهذا لا يعني انتهاءها، ولكن ربما خفت وتيرتها، والاحتلال يعلم أن خزان الضفة النضالي كما في غزة لا ينضب.

البث المباشر