قائد الطوفان قائد الطوفان

ارتقيا بعد الولادة بثلاثة أيام 

التوأم أسيل وآسر.. الشهادة أسرع من إفادة الميلاد

رشا فرحات- الرسالة نت

 لا زالت دماؤنا تسيل في غزة، وقد خطت دماء الشهداء قصصا لم يعد العقل يستطيع استيعاب تفاصيل الوجع في سطورها، وفي كل يوم قصة بل قصص تبكي الحجر جراء حرب الإبادة الإسرائيلية التي يتعرض لها سكان القطاع منذ عشرة أشهر.

وهذه المرة نولد ونموت خلال أسبوع واحد، هذا ما حدث مع عائلة محمد أبو القمصان من دير البلح وسط قطاع غزة الذي أنجبت زوجته الدكتورة جمانة أبو القمصان التوأمين أسيل وآسر، وولدتهما يوم  العاشر من هذا الشهر، وقد ذهب بعدها بثلاثة أيام لاستخراج شهادات الميلاد.

كانت الفرحة كبيرة بوصول التوأم، رغم الحرب، أمل جديد لوح لمحمد أبو القمصان بمستقبل كبير وجميل، ولكن في اللحظة تلك وهو يحمل شهادات ميلاد التوأم وصله اتصال من أحد الجيران ليطمئن عليه، فسأله محمد ما الذي حدث؟! فأخبره الجار بأن البيت الذي تقطن فيه قد قصف، وطلبوا منه المجيء إلى مستشفى شهداء الأقصى.

لم يكن ابو القمصان بحاجة إلى الذهاب فقد كان فعليا يقف في المستشفى، المكان الذي يستخرج منه شهادة الميلاد، وفوجئ بجثمان زوجته وأمها وطفليه التوأم في كيس واحد، لم يفرح ولم يعطه الاحتلال فرصة ليفرح، حتى قلب الفرح إلى مأتم حقيقي، يودع فيه كل الفرح دفعة واحدة، حتى لا يبقى شيء من الأمل لإكمال الحكاية.

يقول: "أنا كنت مشتاق لرؤية أطفالي، تزوجت قبل الحرب بشهرين، أنا مقيم بالخارج، وأعمل هناك، وأتيت إلى غزة لإتمام إجراءات الزواج قبل الحرب، وبدأت الحرب وأنا لازلت في غزة، وفرحت بحمل زوجتي وكنت أنتظر بفارغ الصبر، لقد حاولت خلال التسعة أشهر أن أتدبر احتياجات أطفالي، وحليبهم قبل أن يصلوا، كان هناك أحلام كثيرة لي ولزوجتي، وصورة جميلة رسمناها رغم الحرب لنستقبل أبناءنا بكل الفرح الذي يجب أن يحمله أب وأم لأول إنجاب".

لم يعط الاحتلال فرصة لمحمد ليكمل قصة الفرح، وأن يأخذ زوجته وأبناءه لاستكمال حياته، فقط بترت القصة الجميلة قبل أن تبدأ، ويضيف: زوجتي دكتورة، مسالمة، بأي ذنب تقتل بهذا الشكل، وتسقط من الطابق الخامس، وتضيع ملامحها بين الركام". 

‏التوأم آسر وأسيل ولدا فقط قبل 4أيّام، وارتقيا صباح أمس شرق دير البلح، رفقة والدتهم وجدتهم، ليكونا شاهدين جديدين على جرائم الاحتلال التي لا تنتهي وظلم العالم المتواطئ في عملية الإبادة المستمرة في حق الشعب الفلسطيني.

ومنذ بداية الإبادة أجهز الاحتلال على عائلات كاملة، مسحت من السجل المدني، وفي آخر إحصائية له  قال جهاز "الدفاع المدني" الفلسطيني في قطاع غزة، إنه وثّق إزالة أكثر من 500 أسرة فلسطينية بشكل كامل من السجلات بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر، كان آخرها 12 أسرة قضت كلها في عملية مخيم النصيرات قبل شهرين.

‏ووفق وزارة الصحة فإن عدد الأطفال الرضع الذين وُلِدوا واستشهدوا في الحرب 115 طفلًا، فهم عاشوا لحظات قصيرة من الحياة قبل أن تُزهق أرواحهم تحت وطأة القصف والعدوان.

وأفاد رئيس لجنة التوثيق والمتابعة بالدفاع المدني في غزة، محمد المغير، في تصريحات صحفية، بأن عملية توثيق العائلات التي استشهد كل أفرادها لا تزال مستمرة رغم فقدان نحو 20% منها بسبب القصف والنزوح واستهداف طواقم الدفاع المدني وغياب الإنترنت لتوثيقها إلكترونيا.

في هذه القصة، على محمد الآن أن يلملم بقايا حياته الجميلة التي بدأها قبل عام، زواجه الذي لم يكمل فرحته، ثم ولادة طفليه واستشهادهما في نفس الأسبوع، وأن يبحث عن بداية جديدة وحياة جديدة لا تقدر على إزالة كل هذا الألم .

البث المباشر