تتواصل الابادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال، وتتكشف معها كل يوم وحشية المحتل الإسرائيلي في التعامل مع المعتقلين الفلسطينيين.
فمع استمرار سلطات الاحتلال في استخدام أساليب مروعة من التعذيب المفضي للموت، الذي حصد أرواح عشرات المعتقلين؛ حوَّلت مراكز الاحتجاز إلى ساحات أخرى لأفعال الثأر والانتقام الوحشي من المعتقلين الفلسطينيين، بعد أن اتخذت تدابير غير آدمية، تشكل بحد ذاتها عقوبات شديدة القسوة ومتواصلة بلا انقطاع، وتشكل انتهاكات خطيرة ومنظمة للمعايير والقواعد القانونية والأخلاقية التي وضعها العالم المتحضر، لتنظيم أوضاع الأشخاص المحرومين من حريتهم داخل أماكن الاحتجاز، والتي تكفل كرامتهم وجملة الحقوق الثابتة لهم بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
بتاريخ 19 أغسطس/آب 2024، قام محامي مركز الميزان لحقوق الإنسان بزيارة سجن النقب، حيث لاحظ وجود طفح جلدي على أجساد المعتقلين الذين قابلهم، وأفادوه بانتشار الأمراض الجلدية بينهم، والتي انتقلت لحوالي (150) معتقل.
فيما ترفض إدارة مصلحة السجون تقديم العلاج المناسب لهم وتدعي أن أمراضهم لا علاج لها.
هذا بالإضافة إلى انتشار الحشرات والديدان في المراحيض، ودخول المياه العادمة إلى الخيام التي يُحتجزون بداخلها، وظهور الطحالب على الأرض، إلى جانب انعدام مستلزمات النظافة الشخصية، والمياه الساخنة، الأمر الذي خلق بيئة مواتية للأمراض والأوبئة.
ويسهم غياب أي علاج واستمرار حرمان المعتقلين من مياه الاستحمام ومواد النظافة الشخصية في انتشار الأمراض الخطيرة بين المعتقلين ويهدد حياتهم.
وتشير تقديرات أحد المعتقلين الذين زارهم محامي المركز إلى أن عدد المعتقلين في سجن النقب يبلغ حوالي (600) معتقل، فيما تشير التقديرات إلى أن العدد قد يصل إلى (900(.
ولاحظ محامي مركز الميزان خلال معاينته للمعتقلين الذين قابلهم في سجن النقب أنهم يعانون من ضعف وهزال كبيرين، يشيران لاعتلال صحتهم، وأفادوا بانخفاض أوزانهم بشكل كبير وملحوظ منذ اعتقالهم بسبب حرمانهم من وجبات طعام كافية وصحية، حيث تُقدم لهم وجبات رديئة وغير كافية لسد جوعهم ولا تحتوي على العناصر التي يتطلبها الجسم من البروتينات والفيتامينات الضرورية، الأمر الذي يُضعف من قدرة جهاز المناعة ويسهل إصابتهم بالأمراض.
هذا واشتكى المعتقلون من حالة التكدس القائمة، حيث يتواجد في كل خيمة (30) معتقلا و(11) سريراً فقط، بحيث يضطرون إلى النوم على الأرض، كما أن الخيم ذاتها ممزقة ومهترئة ولا تقي لا من الحر ولا من البرد.
هذا وأفاد المعتقلون بأن سلطات الاحتلال تسمح لهم بالاستحمام مدة لا تتجاوز ال3 دقائق وبالمياه الباردة مرة واحدة بالأسبوع، ودون تقديم مواد ومستلزمات النظافة اللازمة.
كما أن الفرشات التي ينامون عليها غير نظيفة وغير ملائمة، والقطط تملأ المكان وتُسهم في انتشار الأمراض.
علاوة على ذلك، تقوم إدارة السجن بأخذ الفرشات عند الساعة 06:00 من صباح كل يوم وتعيدها في ساعات المساء. وأشار المعتقلون إلى أنه لم يتم استبدال زجاجات مياه الشرب البلاستيكية منذ حوالي (4) شهور.
ويُضيف المعتقلون أنهم محرومون من زيارة الأهل أو زيارة المحامي، هذا إلى جانب كونهم موقوفون وفقاً لقانون المقاتل غير الشرعي، الذي يحرمهم من أبسط ضمانات الحق في محاكمة عادلة، بالنظر إلى عدم إبلاغهم بالتهمة المنسوبة إليهم، ومصادرة حقهم في الدفاع ومناقشة أدلة الاتهام، وبالتالي انعدام قرينة البراءة.
وتُشير متابعات المركز أن سلطات الاحتلال زجت بآلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة في سجونها بعد السابع من أكتوبر، وأنها أفرجت عن أعداد منهم عبر معبر كرم أبو سالم ومن مناطق أخرى على السياج الفاصل، وأن المتبقين حالياً حوالي (2,650) معتقل، من بينهم (12 طفلاً)، و(2) سيدتين.
ومن بين العدد الكلي للمعتقلين يوجد حوالي (300) معتقل يخضعون للمحاكمات، بينما يُحتجز (2,350) منهم كمقاتلين غير شرعيين، "ويقضي قانون المقاتل غير الشرعي باحتجاز المعتقل دون إبلاغه بالتهمة المنسوبة إليه أو بمدة اعتقاله"، ما يفقده أي من ضمانات الدفاع. كما تشير المتابعات أيضاً أن جميع المعتقلين في الأشهر الأولى من احتجازهم واجهوا أوامر منع الالتقاء بمحام، وأن (70) معتقلاً لا يزالوا ممنوعين من زيارة المحامي.
يُحتجز المعتقلون الفلسطينيون من سكان قطاع غزة في السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية التالية: سجن النقب، سجن عسقلان، سجن عوفر، معسكر عوفر، سجن نفحة، معسكر سديه تيمان، سجن الجلمة، سجن المسكوبية، ومركز تحقيق بيتح تكفا.
يُحمل مركز الميزان سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ويرى في هذه الإجراءات والممارسات نمطاً جديداً من الممارسات الوحشية الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، التي تتهدد حياتهم، بالنظر لكونها تؤدي إلى تفشي الأمراض بين صفوفهم، وتتسبب بمعاناة شديدة القسوة ومتواصلة، وتُعتبر من قبيل الانتهاكات الخطيرة لأحكام القانون الدولي، ولا سيما قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، وقواعد معاملة المعتقلين الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة، والإعلانات والمواثيق الناظمة لحقوق الأشخاص المحرومين من حريتهم، وهي من بين المخالفات الجسيمة التي حددتها المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة، طالما أنه تم اقترافها ضد أشخاص محميين، ومثالها المعاملة اللاإنسانية وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة، والحرمان من أن يُحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة.
يدعو مركز الميزان المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويطالب المحكمة الجنائية بإصدار أوامر اعتقال فورا لمن لأمر ومن نفذ الجرائم الخطيرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني ولاسيما المعتقلين. ويُحذر المركز من استمرار الحالة القائمة التي تؤدي إلى تفاقم معاناة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وتفضي إلى وفاتهم، وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي بالكف عن الصمت والوفاء بالواجبات القانونية والاخلاقية وتفعيل التوصيات، التي أمرت بها محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بتاريخ 19 يوليو من هذا العام.