تبكي الأم وهي تنظر إلى طفلها النائم على الدوام، وحوله أخوته يحاولون ما استطاعوا أن يكذبوا ما سمعوه من الأم: "كان ابني يزحف ويمشي ويطلع بره الخيمة، ثم فجأة لم يعد يحرك قدميه، طفلي لا يتحرك، شهيته ضعيفة، نايم أغلب الوقت، وضع الخيمة سيء، وفي المستشفى قالوا لي لا علاج لابنك، لا يوجد، ولا يوجد تطعيمات، علاجه في الخارج، لا يوجد له علاج في غزة" هكذا قالت والدة الطفل عبد الرحمن أبو الجديان.
وضع الطفل عبد الرحمن في تراجع دائم، ممدد وقد فقد كل نشاطه، وسط بيئة لا تصلح لتدارك وضع صحي لطفل لم يتجاوز السنة، وفي ظل الحصار المفروض على الصحة، وانتشار الأوبئة، ومجاري الصرف الصحي والنفايات بين الخيام، وخيمة أصبحت بديلا عن البيت، كل هذا اجتمع على صحة الرضيع فتراجع مرة واحدة وأصبح المصاب الأول في فايروس شلل الأطفال في قطاع غزة.
واليوم بعد انتظار ومناشدات كثيرة أعلنت وزارة الصحة عن البدء بحملة تطعيم ضد شلل الأطفال في قطاع غزة، للأطفال تحت سن 10 سنوات، وذلك ابتداء من يوم الأحد وحتى الأربعاء 1-4 /9/ 2024 في محافظة دير البلح، ومن يوم الخميس وحتى يوم الأحد 5-8 /2024/9 في محافظة خانيونس، ومن يوم الإثنين وحتى الخميس 9-12 /2024/9 في محافظة غزه والشمال.
كما أكدت الصحة أنه "سيتم نقل معدات السلسلة الباردة من منطقة إلى أخرى حسب برنامج التطعيم في كل محافظة"، لافتة أن "الوزارة تقود حملة التطعيم في القطاع بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والأونروا".
ووجهت دعوة المواطنين بغزة لضرورة "تطعيم أطفالهم وعدم الالتفات للشائعات التي يبثها الاحتلال وتشكك بصلاحية هذه الطعومات".
الدكتور موسى عابد مدير الرعاية الصحية في قطاع غزة أوضح في مقابلة مع الرسالة طبيعة الفايروس قائلا:" شلل الأطفال هو مرض فيروسي ينتقل عن طريق الجهاز التنفسي أو عن طريق الأطعمة الملوثة، وقد سجلت حالة واحدة فقط، وهي حالة طفل عمره عشرة شهور ولم يتلق أي من التطعيمات الروتينية التي تلقاها الأطفال في غزة، وهذا المرض تم استئصاله من بيئة غزة ولم تسجل منذ عام 1990 أي حالة ومجرد وجود الفيروس في الصرف الصحي يعتبر وباء".
ويقول عابد: إن الطفل قد سحبت منه عينات أرسلت بطريقة ما إلى الأردن لأن الفحص من الأصل غير موجود في غزة، وحتى إرسال عينة قد استغرق وقتا وجهدا كبيرا، ثم أثبتت النتائج الواردة من هناك إصابة الطفل وهي الحالة الأولى التي سجلت من 25 سنة، والإجراء المناسب أن نقوم بعمل حملة تطعيم وهي التي تستهدف أكثر من 90% من الأطفال الأقل من عشر سنوات وهم 640000 طفل في قطاع غزة وهذه الحملة التي بدأت اليوم ستغطي 550000 ألف طفل لكي نقول إنها حملة ناجحة ".
ولفت عابد إلى أهمية النظافة الشخصة واستحالة الالتزام بها في ظل الازدحام الشديد وتراكم النفايات في غزة أمام خيام النازحين وتدفق مياه الصرف الصحي، ما يجعل الالتزام بالنظافة مستحيلا وبالتالي انتشار الأمراض والفيروسات، محذرا ومتوقعا ظهور أمراض لم نسمع عنها مطلقا في قطاع غزة بسبب هذه البيئة غير الصالحة للحياة، والناتجة عن سياسة إسرائيلية ممنهجة للقضاء على حياة الغزي بالابادة والتجويع والحصار .
كما تحدث عن استحالة أن يعيش الطفل في ظروف حياتيه مناسبة للوقاية من المرض، فالماء غير نظيف، والعائلات محشورة في مساحة ضيقة والاحتلال يمارس سياسة التهجير العبثية والقتل الممنهج، لافتا أن تجنب الازدحام هو شرط أساسي لتجنب المرض وهذا أمر يستحيل تطبيقه.
كما أكد عابد على أن الدفعة الأولى من لقاح OPV2 الواقي من شلل الأطفال وصلت مساء الأحد الماضي وهي عبارة عن مليوني و260 ألف لقاح، كما أن العمل جارٍ لتأمين 400 ألف جرعة إضافية خلال الأيام القليلة القادمة حسب قوله، ويأخذ الأطفال دون سن العاشرة اللقاح على جرعتين.
ولم تتوقف التصريحات والمناشدات التي تصف الواقع البيئي في قطاع غزة وآخرها ما قاله برنامج الأمم المتحدة للبيئة موضحا إن التأثيرات البيئية للحرب في غزة غير مسبوقة مما يعرض المجتمع لمخاطر التلوث المتزايد بسرعة في التربة والمياه والهواء، فضلا عن مخاطر الأضرار التي لا يمكن إصلاحها للنظم البيئية الطبيعية.
وفي تقييم أولي نشره البرنامج، جدد النداء لوقف فوري لإطلاق النار لحماية الأرواح والمساعدة في نهاية المطاف في تخفيف الآثار البيئية الكارثية للحرب.