في الوقت الذي يشن جيش الاحتلال عمليات عسكرية موسعة في شمالي الضفة المحتلة، لمحاولة القضاء على المقاومة، إلا أنه تلقى صدمة كبيرة في 24 ساعة من مدينة الخليل الذي ظن الاحتلال بأنها المكان الأكثر هدوءا وأمنًا لجيشه ومستوطنيه.
فخلال 24 ساعة وقعت ثلاث عمليات قاسية وصعبة على الاحتلال انطلقت من الخليل، أخرها أول أمس الأحد، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود في عملية إطلاق نار نوعية صوب مركبة يستقلها ضباط قرب حاجز ترقوميا شمال غرب الخليل.
العملية جاءت في الوقت الذي تشهد مدينة الخليل حالة استنفار أمني كبيرة جدًا، بعد ساعات من عملية التفجير في "كرمي تسور وغوش عتصيون" التي نفذها الاستشهاديان محمد إحسان ياقين مرقة وزهدي نضال أبو عفيفة.
وبعد ساعات اغتالت قوات الاحتلال، منفذ عملية "ترقوميا" البطولية، وذلك بعد اشتباكات مسلحة وقعت في بلدة إذنا شمال غرب الخليل جنوب الضفة. وأكدت عائلة العسود أنها تبلغت رسميا باستشهاد نجلها مهند محمد العسود من بلدة إذنا، منفذ عملية ترقوميا.
وخاض المقاوم العسود اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال التي حاصرت المنزل الذي كان يتواجد فيه، وقصفته بعدد من صواريخ الإنيرجا، ما أدى إلى اشتعال النيران فيه.
شكلت رعبًا للاحتلال
محللون عسكريون وسياسيون، أجمعوا أن العمليات الأخيرة التي وقعت في مدينة الخليل، شكلت صدمة جديدة لأجهزة الأمن (الإسرائيلية)، كون العمليات جاءت في أماكن أمنية حساسة وفي ظل استنفار أمني كبير.
الخبير في الشأن العسكري واصف عريقات يرى أن عمليات الخليل جاءت في تحدٍ لأجهزة استخبارات الاحتلال، وشكلت ضربة عسكرية للجيش الإسرائيلي في المناطق الجنوبية بالضفة المحتلة.
ويقول عريقات في حديث لـ"الرسالة": "عمليات الخليل جاءت في وقت حساس ومهم جدًا، والتي تزامنت مع شن الاحتلال عملية عسكرية واسعة على المحافظات الشمالية بالضفة، ما نقل المعركة من شمال الضفة إلى جنوبها، وهذا ما تخشاه المؤسسة الأمنية (الإسرائيلية).
ويشير إلى أن دخول جنوب الضفة لخط المواجهة وتنفيذ العمليات الاستشهادية ونصب الكمائن لجيش الاحتلال ومستوطنيه، هو السيناريو الأصعب والأكثر رعبًا للاحتلال، فعلى مدار الشهور الماضية كان الخوف من هذه العمليات ينتاب المؤسسة العسكرية (الإسرائيلية) وتخشاه الأجهزة الأمنية.
ويؤكد عريقات أن عمليات الخليل الأخيرة، كانت الأقوى منذ سنوات في الضفة، وذات تخطيط وتنفيذ عسكري دقيق جدًا، لافتًا إلى أن دخول الخليل على خط المواجهة سيغير مجريات الأحداث في الضفة المحتلة وقطاع غزة.
ويرى الخبير العسكري أن تنفيذ العمليات في الضفة لا تزال تثبت فشل أجهزة أمن الاحتلال في الكشف المبكر عن العمليات، خاصة أن محافظة الخليل تعيش في طوق أمني وعسكري (إسرائيلي) كبير.
فشل إسرائيلي
المختص في الشأن (الإسرائيلي) سليمان بشارات، يرى أن سياسات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة، ستكون سبب في تصاعد العمليات الفدائية ضد جيش الاحتلال والمستوطنين.
ويؤكد بشارات في حديث لـ"الرسالة"، أن عمليات الخليل التي وقعت في أماكن حساسة بالنسبة للاحتلال، تثبت فشل منظومة الأمن (الإسرائيلية). ولفت أن محاولات حكومة الاحتلال الاستفراد بالفلسطينيين باءت بالفشل.
ويشير إلى أن عمليات المقاومة في الخليل أربكت حسابات جيش الاحتلال خاصة أنها وقعت في منطقة أمنية وعسكرية محصنة، وفي تشديدات عسكرية وأمنية كمنطقة "غوش عتصيون" التي وقعت فيها العملية قبل يومين، والعملية الثالثة وقعت في قلب مستوطنة.
انهيار المنظومة الأمنية
أما الخبير في الشأن (الإسرائيلي) عمر جعارة، يرى أنّ ما يحدث هو انهيار لمنظومة الأمن (الإسرائيلية) القائمة على عزل الضفة لـ"كانتونات" منعزلة ومنفصلة عن بعضها البعض، وغير قادرة على التأثير المشترك فيما بينها.
ويبين جعارة أن المستويات الرسمية (الإسرائيلية) كانت تعتقد أنه من السهل تدجين الشعب الفلسطينيين، وراهنت على الخليل كنموذج بعد افتعال أزمات داخلية فيها، لكنها فشلت.
ويوضح أن أخطر ما يواجه الاحتلال يتمثل في فشل سياسته تجاه قراءة المجتمع الفلسطيني، وما كان يعتقد من نجاح الهندسة المجتمعية في تصنيف المجتمع وتقسيمه وعزله.
ويؤكد جعارة أنّ هذا الانهيار لا يعبر عن تراجع ميداني أو خلل في الوسائل والأساليب، بقدر ما يعبر عن فشل استراتيجي، وهو حتما مثار صدمة، وسيضفي أزمات مركبة لدى المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال.
ساحة رئيسية
وقال محلل الشؤون العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (الإسرائيلية)، :"إن الهجوم الذي وقع على حاجز ترقوميا غرب الخليل، الذي أدى لمقتل 3 ضباط من الشرطة (الإسرائيلية)، يشير إلى أن الضفة الغربية لم تعد الساحة الثانوية في الصراع".
وقال يوسي يهوشع في مقاله "على مدى 330 يوما نجح الجيش (الإسرائيلي) والشاباك في الحفاظ على قطاع يهودا والسامرة (الضفة الغربية) كقطاع ثانوي مقارنة بغزة، لكنهما حذرا من احتمال انفجاره.. تشير الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الهجوم الذي قتل فيه 3 أشخاص قرب الخليل إلى أن هذا القطاع لم يعد الساحة الثانوية".
واعتبر المحلل العسكري أن العمليات الأخيرة في منطقة الخليل هي "خطوة هامة إلى الأمام في خصائص الهجمات الفلسطينية.. لا مزيد من هجمات الطعن كما كانت هنا في موجة عام 2015. لا مزيد من هجمات إطلاق النار كما رأينا في عام 2022 التي أدت إلى عملية كاسر الأمواج (حملة عسكرية أطلقها الاحتلال في مارس/آذار 2022 لمواجهة تزايد عمليات إطلاق النار من قبل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية)، هذه عبوات ناسفة قوية وهجمات، من النوع الذي عرفناه في الانتفاضة الثانية".
وأضاف "هناك بنية تحتية، وهناك ناقل، وهناك من أعد الشحنة وهناك من مولها"، مشيرا إلى أن "العبوات الناسفة تأتي من الحدود الأردنية المخترقة والسياج الفاصل المثقوب (بين الضفة وأراضي الـ48) الذي يسمح باختراق ليس فقط العمال ولكن أيضا للإرهابيين" على حد زعمه.
ورغم أنه أشار إلى ما أسماه نجاح جيش الاحتلال في إطلاق عملية عسكرية للتعامل مع المقاومة شمال الضفة الغربية في كل من طولكرم وجنين، إضافة إلى مواجهة العديد من العبوات الناسفة في شمال غور الأردن، فإنه أكد أن "الخطر يكمن الآن في أن العمليات امتدت إلى منطقة الخليل، التي تعتبر عاصمة حماس في الضفة الغربية، حيث البنية التحتية المنظمة والخطيرة، إذ أظهر الهجوم الذي وقع قرب ترقوميا أن خطره يتزايد".
وأضاف "إذا استمعوا إلى تعليمات خالد مشعل (رئيس حركة حماس في الخارج) الأسبوع الماضي بالعودة إلى التفجيرات، فقد ندخل فترة صعبة للغاية"، مشيرا إلى أن "معظم القوة النظامية والاحتياطية الماهرة للجيش الإسرائيلي موجودة في قطاع غزة وعلى الحدود الشمالية، لذلك لو تم تنفيذ الاعتداءات الأخيرة (الهجوم على مستوطنتي غوش عتصيون وكرمي تسور وانتهت بإصابة 3 إسرائيليين بجروح) كما هو مخطط لها لكانت يمكن أن تنتهي بوفيات من رقمين، وتجعل من الضفة الساحة الرئيسية للمواجهة".
رد على مجازر الاحتلال
بدورها، أكدت حركة "حماس"، على أن عمليات المقاومة البطولية في الضفة وآخرها عملية الخليل، هي رد طبيعي على المجازر البشعة وحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة والجرائم الصهيونية في الضفة والقدس المحتلة.
وقالت حركة "حماس" في بيان وصل الـ"الرسالة"، :"إن شعبنا المرابط الذي يخوض معركة طوفان الأقصى سيواصل طريق الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال، ورفض الاحتلال والظلم والعدوان، حتى تحرير فلسطين وتطهير المسجد الأقصى من دنس المستوطنين".
واستنفرت الحركة كل المدن والقرى والمخيمات لإشعال النار في وجه الاحتلال وقطع طرق المستوطنين بكل السبل.
ودعت كل من يحمل السلاح لتوجيه الرصاص إلى صدور المحتلين الذين يواصلون ارتكاب المجازر في حق أهلنا في قطاع غزة الصامد.