في شمال طوباس بالضفة الغربية المحتلة، اغتالت طائرة إسرائيلية مسيرة بثلاثة صواريخ خمسة شبان من بينهم محمد نجل الأسير زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى، الذي لم يحظ كالعادة بوداع قطعة من قلبه المكلوم.
تناثرت الأجساد، وتبعثرت الشظايا على المنازل والطرقات حتى تعرف الأهالي على هويتهم، ويذكر شهود عيان أن الشبان لم يكونوا داخل السيارة المستهدفة بالقصف، بل كانوا يقفون بالقرب منها، وكان من بينهم محمد الزبيدي، حلم زكريا الزبيدي الذي لم يكبر.
ولم يكن حظ الأسير زكريا زبيدي في الوداعات جيدا، كل من أحبهم رحلوا دون أن يودعهم: "كل الذين فقدتهم لم أودعهم ولم أدفنهم، أبي استشهد كنت بسجن جنين وسمعت ذلك في سماعة المسجد، وأمي استشهدت بمعركة المخيم ودفنها الصليب، ومن شدة المعركة لم نستطع الوصول اليها".
ويكمل:" وهي التي كانت تردد دائماً" الله يجعل يومي قبل يومك "، وأخي طه دفنوه وأنا تحت حطام المخيم والبيوت المهدومة، ثم شقيقي داوود، ولم أستطع توديعهم جميعاً، ولم أتمكن من ممارسة طقوس العزاء، لا أعرفه ولم أجربه ولم أمارسه بشكل شخصي".
اليوم رحيل جديد، دون وداع أيضا، محمد زكريا زبيدي شهيد مع أربعة رفاق في قصف على أحد الطرقات فجر اليوم، بينما يتحدث الهلال الأحمر عن إصابة سادسة في حالة الخطر.
لم يكن الموت هو أمنية الأب الذي قضى نصف حياته بين مقاومة وأسر، لكنه قالها قبل ذلك عند ميلاد ابنه محمد:" أحب أن يتعلم ابني، أن يصبح محاميا، أو طبيبا أو مهندسا، أمنيتي التي أعمل عليها، لكن إذا الاحتلال فتح المجال لابني لكي يكبر".
ولم يكبر محمد كشاب عادي، بل كشاب ينتمي لأرض محتلة، عليه أن يقاوم أولا ويسعى لتحقيق الحرية كشرط أول لتحقيق أحلامه، فسلبت أحلامه التي كان يرسمها والده، وكما توقع، لم تسمح (إسرائيل) بأن يحقق محمد أحلامه، فارتقى شهيدا مقاوما.
محمد شاب لم يكمل الواحد ة والعشرين، أكمل الطريق الذي سلكه والده، كجده وجد والده، ميراث ثقيل يحمله المجاهدون ويحملونه لأبنائهم، رغم كثرة الأحلام التي تدور في ذهن شاب في أوائل عمر الصبا، لكنه اكتفى بوظيفة بسيطة حيث كان يعمل مصلحا لزجاج المركبات، لتدعم نهجه الجديد وتدريباته الكثيرة في قلب مقاومة جنين التي لا تهدأ ولا تقبل أن تفاوض.
لقد كان يعلم زكريا الزبيدي ويتوقع :" لقد ورثت الجهاد عن أبي وعن جدي ومن الطبيعي أن يسير ابني على طريقي، لم يستطع أبي أن يعطيني حياة أعيشها بسلام، وأنا أيضا لا أستطيع أن أضمن ذلك لابني، أنا خائف لأنني لن أستطيع أن أحقق أمنا وسلاما كافيا لابني ".
جثمانه ممدد في مستشفى جنين الحكومي، حصل على حق لم يحصل عليه غيره، أو من باب المصادفة وحسن الحظ، أن يكون الجسد مكتملا ليحظى بقبلة وداع على جبينه من أمه وعائلته، وأصدقائه!!
إضافة إلى ابنه، فقد زكريا خلال السنوات الماضية العديد من الشهداء من أسرته: أمه واثنان من أشقائه، واثنان من أبناء عمه، وغيرهم.
ثلاث سيارات كانت تقف بجانب بعضها في المكان المستهدف، تهشمت نتيجة القصف، وارتقى مع محمد الشهداء :" أحمد فواز أبو دواس 24 عاما، محمد عوض جمعة 30 عاما، قصي مجدي عبد الرازق 26عاما، محمد نظمي أبو زاغة 24 عاما، وآخرهم محمد ابن 21 عاما، جميعهم شباب كان لهم أحلام، ولم تسمح ( إسرائيل) لهم بأن يكبروا أكثر ليحققوها.