من أغرب ما كابده الفلسطيني في هذه الحرب، وضمن أصناف القتل المروعة، هو كيف تحول الطائرات البشر النائمين إلى أشلاء مدفونة في حفر من الرمال المتحركة، فتبتلعهم، ويختفي أثرهم قبل أن يصل أي من البشر الناجين ليفهم كيف تفعل الطائرات ذلك؟.
كانوا نياما، عشرون خيمة تأوي عشرات النازحين، في المنطقة المصنفة آمنة بمواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، التي استهدفتها صواريخ الاحتلال الاهتزازية فابتلعتهم الأرض، وبقيت تلك الحفر شاهدة على فظاعة القتل حينما استيقظ بعضهم ولم يستيقظ الآخر.
أربعة صواريخ حفرت أربع حفر عميقة كانت قبل دقائق مجمعا للخيام، فحملها الانفجار وقلبها بين الرمال، حتى اختفت معالم البشر والحجر، ودفن الشهداء في عمق الحفر.
ستة شهداء من عائلة فوجو، كانت الضربة الأولى قد سقطت عليهم مباشرة، ولا زالت أسماء عشرات الشهداء تتوارد تباعا، وصور الأطفال تفضح مزاعم الاحتلال، والوضع المآساوي للعائلات البريئة من كل افتراء يدمي القلب، وهي تنقل إلى المستشفيات الميدانية القليلة ومستشفى ناصر، والتي تعمل كلها بعجز من نوع آخر، دون أجهزة وأدوية لأن الاحتلال سلب حياة البعض، وسلب حق المصابين بعلاج حقيقي لجراحهم.
700000 نازح يفرشون خيامهم في هذه المنطقة التي لا مكان غيرها تقريبا في خان يونس ليلجأ إليه الناس لأنها منطقة فارغة رملية لجأ إليها المواطنون وفقا لرواية الاحتلال الذي طلب منهم التوجه إليها لأنها وفق مزاعمه آمنة.
يزعم الاحتلال بأن هذه الضربة تستهدف مقاومين كانوا يعيشون بين الناس، مبرر مكرر للمرة الألف، يلقيه الاحتلال كحجة فارغة في وجه العالم ثم تثبت الصور بأن كل الشهداء أطفال وأمهات كانوا نياما.
انتشلت الطواقم الطبية 40 شهيدا و60 جريحا بعد ثلاث ساعات من عمليات الانتشال لضحايا مجزرة مواصي خان يونس، فيما قال الدفاع المدني، إننا أمام واحدة من أبشع المجازر منذ بدء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وأن هناك عائلات كاملة اختفت بين الرمال بفعل الصواريخ الارتجاجية، ولا زال البحث جاريا.
ويتواقح الاحتلال بأنه كان حريصا على تقليل الأضرار، ولم يوضح كيف يمكن أن تكون الأضرار أفظع من أربعين شهيد وعشرات الجرحى؟!.
حكومة الاحتلال تبرر بوقاحة ثم تطالب على لسان وزيرها ايتمار بن غفير بمزيد العمليات والقصف ويطالب بمزيد من العزل، بل وبناء المستوطنات في الشمال وترويع المواطنين لمزيد من التهجير.
يقول الكاتب الفلسطيني الدكتور رائد نجم:" المطلوب الشعب وليس مطلق النار، المطلوب ترحيلهم وهم الثابتون على الأرض، المطلوب القضية، أما مطلق النار فهو الذريعة لقتل المدنيين وترحيلهم وتصفية القضية.
وأضاف في مقابلة مع الرسالة أن الاحتلال يريد أن يخلق بيئة طاردة، ويبني في ذاكرة الفلسطيني معاناة لا تنسى، مضايقة وقمع وتهجير ليخلق دافعا قويا لديهم بأن يبحثوا عن الأمن والآمان وبالتالي مغادرة غزة، ولذلك فإن المطلوب هو المواطن.
لا تختلف سيناريوهات القتل منذ أكثر من سبعين عاما، تهجيرهم هو الهدف الأول، ولذلك فإن قتلهم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف، وهذا كله وفق دراسة منهجية، تزداد كل يوم وتستمد قوتها من خلال إراقة المزيد من الدماء .