قائمة الموقع

أسرة أبو داوود تأوي إلى مسجد أو تسكن في الشارع!

2011-02-28T10:18:00+02:00

الرسالة نت-محمد بلّور

عندما تتدثرون بأغطيتكم الصوفية وتنعمون بالدفء في أوصالكم تذكروا أن على كوكبنا أناس مثلكم يعيشون في أجواء مضادة لأجوائكم.

 وعندما تتأففون من نوع الطعام و"موديل" الملابس اعلموا أنها قلّما تزور بيوت آخرين يعيشون كفافا ويفتقدون كساء .

في منزل "أبو داوود" البالغ عدد سكانه 10 أفراد لا فرق بين اليوم والأمس فكلاهما يمضي على نسق من الفقر, أما الغد فأحلامه مزعجة وعثراته مقلقة .

لا يملك "أبو داوود" منزلا ولا عملا , رأس ماله سبع بنات وولد بحاجة لمتطلبات تصارع خط الفقر ولا تملك جرّ قدميها نحو العيشة الكريمة .

يسكن الآن في بيت قديم, نوافذه لا تحمي من برد ولا حرارة والسقف يخرّ من أعلى بمياه الأمطار, أما المطبخ والحمام "المنافع" فليس لهما من دورها إلا الاسم والاسم فقط.

صغار البيت

يحوم ستة صغار في صحن البيت , لا يسليهم شيء سوى ذلك اللهب المتراقص من موقد النار المحتفلين باشتعاله في برد فبراير . 

صغار بملابس مهترئة ووجوه شاردة يعلوها البؤس وضيق العيش , يدندنون بكلمات من قاموس معاناتهم وفقرهم .

يدورون دورتين ثم يتكوّمون بجوار والدهم "أبو داوود" , 7 بنات أكبرهن لم تتجاوز الثالثة عشر وأصغرهن في شهورها الأولى أما الولد الوحيد "داوود" فعمره عشر سنين.

يتراقص اللهب على وجوههم , فوق الموقد إبريق شاي لونه اسود من أثر النيران ,يمد الأطفال عيونهم مراقبين نزوله المرتقب عن عرش النار .

يعرّف الأب نفسه بالقول:"سامي داوود وهدان 38 سنة لدى 7 بنات وولد معاناتي عمرها 11 سنة وتتلخّص في حاجتي لبيت يؤويني بدل تنقلي بالأجرة وأنا لا أملك شيء وصحتي معتلّة" .

فقد سامي عمله داخل إسرائيل مع بدء انتفاضة الأقصى قبل 10 سنين ومنذ ذلك الحين يتخبّط بحثا عن عيشة كريمة عادّا أفراد أسرته المتزايدة مع الوقت. 

وأضاف :"عملت في مصنع كارلي قبل الانتفاضة ثم عملت سنة في إسرائيل ثم ضاقت أحوالي وتراكمت علي الديون وعندما أغلق العمل في إسرائيل اشتدت معاناتي " . 

يستطرد سامي بالحديث مشيرا بيده إلى صدره ليقول إنه يعاني من الربو ومشكلة في أحد صمامات القلب-كما قال. 

منذ 15 سنة يتنقل من بيت لآخر في مخيم النصيرات بالأجرة لكنه في السنوات الأخيرة أصبح لا يملك شيئا ليسد أجرة البيت ناهيك عن بقية الاحتياجات.

منزل مستأجر

لو سألته ما هي أكثر الأيام قسوة في حياتك لأجابك تلك الأيام التي رهن صاحب أحد المنازل المؤجرة عفشه داخله بعد أن عجز عن دفع الأجرة وتركه وأولاده ينامون على الأرض عدة الأيام . 

لا زالت برودة تلك الليالي ومرارتها مؤثّرة في الجانب الأيمن من قلبه حتى أصبحت تلك الحادثة بطل الفيلم متواصل العرض . 

وتابع:"يومها قال لي صاحب البيت لن تأخذ عفشك حتى تدفع الأجرة فاضطررنا للنوم على الأرض دون شيء –تحرك زوجته رأسها مؤكدة على الحادثة- حتى وقف معي أهل الخير واحضروا لي عفشي وسددوا فواتير الكهرباء والماء" .

يسكن أبو داوود في منزله الحالي منذ 10 سنين لكن صاحبه قدم قبل شهور من الأردن وأمهله شهورا لإخلائه وهو الآن مهدد بالطرد مرتين الأولى من المنزل والثانية من أبواب أي شقة للإيجار عندما يعلم صاحبها أنه لايملك شيء .

إلى الشارع

تربّت الأم على كتفي طفلتها الرضيعة المصابة بمشكلة في عينها تركت انتفاخا واضحا على جفونها , تصمت الرضيعة ثم تلج في نوبة بكاء تضطر والدتها للدوران بها في باحة البيت المليئة بالثقوب والثغرات . 

يتخيّل أبو داوود يوم الرحيل عن بيته المستأجر فلا يجد مكانا يتسع له وأسرته مضيفا:"إما سأذهب إلى مسجد أو إلى الشارع أنا وأبنائي-يستطرد-أناشد رئيس الوزراء هنية وأهل الخير يساعدوني والله لو في شغل أو أي بيت بتنحل مشكلتي!" . 

يعيش أبوداوود معتمدا على الله وبعض المساعدات الإغاثية التي تكفي لنصف الشهر بالكاد وهو قلق من حاجته لأي مأوى أكثر من الطعام الذي يصله من أهل الخير . 

في زاوية المنزل ترقد أكياس بلاستيكية منتفخة بملابس قديمة وصلته قبل قليل من أحدهم, أما الأحذية فمشكلتها كبيرة وقلّما تجد طريقها لأقدام الصغار. 

وأشار أن الديون تراكمت عليه بينما لا يستطيع تلبية حاجات الصغار بدء من المصروف المدرسي حتى الكساء والقرطاسية .

شيكل واحد

يتحدى شيكل واحد أم داوود ويمنعها من غسيل الملابس في كثير من الأحيان فافتقادها لشيكل واحد يمنعها من شراء مسحوق الغسيل وبالتالي لا تغسل! . 

تجلس الأم حاضنة طفلتها الرضيعة , تختفي معالم وجهها خلف خيط دخان متصاعد من الموقد وهي تتحدث عن طلبات الصغار اللامنتهية والتي لا تدرك افتقادهم للمال . 

تنقبض ملامح وجهها قبل أن تضيف:"يطلبون كل شيء وأقول لهم إن شاء الله غدا فيردوا على كل يوم إن شاء الله ولا تأتي بشيء! ". 

تدور على منازل الجيران طلبا لقليل من الحليب لرضيعتها وتتحرّج كثيرا من طلب "الخبّازة" عندما تعجن الخبر بينما يتقبل معظم الجيران حالها .

قبل أسابيع أصيب الأطفال بمرض جلدي لا زال يترك بقعا سوداء على أجساد الصغار النحيلة سببه ضيوف ثقيلي الظل مزعجي السجية .

عن مرض الأطفال أضافت:"الفئران تخرج علينا من ثغرات في الأرض والحشرات تملأ المنزل ومن فترة أصيب الأطفال بحكة بسبب الحشرات والرطوبة ".

في حجرات البيت دوالايب فاتحة ذراعيها للعيان وقد تلفت من تنقلات فاق عددها 10 مرات كما تقول الأم ولا أحد يدري أين سيستقر بهم المقام .

مطالب صغيرة

تحلم البنت الكبرى نرمين 13 سنة بما تداعبه أنامل زميلاتها "جهاز حاسوب" وملبس نظيف وبيت يؤويها هي وأخواتها .

تحشر شقيقتها نور 11 سنة نفسها قسرا في الحديث مضيفة:"نفسي أكون زي صاحباتي عنا ملابس وبنات صفي بيلبسن صنادل جديدة إلا أنا ممزع وإلهن شنط جديدة إلا أنا وأنا نفسي بدار والله يرزقنا.." .

في الجوار يرفع داوود 10 سنوات أصبعه للمشاركة وكأنه في حصة مدرسية قبل أن يسجل موقفا فيقول:"نفسي الناس يساعدونا في بيت يسترنا وثانيا نفسي بشيء ألعب فيه ومش دايما لما أروح المدرسة بآخذ مصروف" .

المتجوّل في بيت أبو داوود لا يجد شيئا من أثاث ومتاع البيت متناسق مع الآخر لا في لون ولا شكل ولا حال , الاتفاق الوحيد هو في مظهر رثّ أصاب حجرتي البيت والحمام والمطبخ خالي الوفاض .

ومع أن معاناة أبو داوود قاسية وبيته ربع صالح للحياة إلا أنه يخفي خلف جدرانه زوجته وأطفاله الثمانية حتى إذا ما انقضت الشهور الباقية فلن يجد مكانا للعيش وسيخرج ثائرا إلى الشارع .

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00