في الثاني عشر من سبتمبر، مرّت الذكرى التاسعة عشر للاندحار الصهيوني عن قطاع غزة، وخروج آخر جندي إسرائيلي من المستوطنات التي كانت تجثم على صدور الغزيين في القطاع.
والتهم الاستيطان ثلث مساحة قطاع غزة، إذ أسس قرابة 21 مستوطنة إسرائيلية يقطن بها 9 آلاف مستوطن تقريبا، كان أشهرها مستوطنتي كفار داروم أول مستوطنة "إسرائيلية" دشنّت في القطاع، ونتساريم المستوطنة الشهيرة التي وصفها رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إرائيل شارون على أنها "تل أبيب" الثانية.
إبان احتلال القطاع، سيطر الاحتلال على 400 ضعف من الأراضي الممنوحة للفلسطينيين، و20 ضعف من حجم المياه المسموح بها لأهل غزة، كما قطّع أوصال القطاع لـثلاثة رئيسية جنوب ووسط وشمال عبر مجموعة حواجز، نتساريم يفصل القطاع شماله عن وسطه، وأبو هولي يفصل القطاع وسطه عن جنوبه، إلى جانب أخرى كانت تفصل المحافظات ذاتها.
مع اندلاع الانتفاضة الأولى، شهدت المستوطنات عمليات فدائية نوعية، وكانت موضع استهداف رئيسي للخلايا الأولى للمقاومة، إذ ركز المهندس يحيى عياش أيقونة العمل الاستشهادي الفلسطيني على تفخيخ مجموعة من الأهداف في المستوطنات، أشهرها عملية الشهيد المجاهد من سرايا القدس هشام حمد؛ الذي أعدّه القائد عياش.
كما ركزت الخلايا أيضا على استهداف الجنود الإسرائيليين في الحواجز والطرقات، أشهرهم عماد عقل المعروف بصياد الجنود، حتى وصلت الانتفاضة الثانية عام 2000، ومعها بدأ يترنح الوجود الإسرائيلي في تلك المنطقة.
ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، تنوعت العمليات الفدائية في المستوطنات، بين طعن ودهس، وبما فيها العمليات الاستشهادية، واطلاق النار، كان أبرزها عملية عتصيون للاستشهادي محمد فرحات، وعملية استشهادية في ايرز للاستشهادية ريم الرياشي، وعمليات اطلاق نار واستهداف دبابات، كما بدأت المقاومة بصناعة الهاون وصواريخ القسام وصواريخ المقاومة سرايا وقدس وغيرها من الصواريخ الفلسطينية ذاتية التصنيع.
قادت هذه المراحل بداية التطور العسكري للمقاومة؛ التي نجحت بعد الانسحاب الإسرائيلي في توجيه صواريخ طويلة المدى وقذائف صاروخية متعددة، وصولا لقذائف الياسين 105، ومنظومة رجوم، وقذائف الهاون، وكورنيت، وطائرات بدون طيار وغيرها من الأدوات البحرية والجوية والدفاع الجوي والصاروخي.
وانتقلت خلايا المقاومة إلى كتائب وما يقول الاحتلال، بأنه جيش استهان به وكان يعتقد أنه يمثل الخاصرة الرخوة؛ لكن الأمر كان مختلفا وفقا لقيادته.
بعد 19 عامًا من الاندحار أين وصلت المقاومة بغزة؟!
تقول مصادر في أمن المقاومة، بأن جهازها الاستخباري وصل لمعلومات واضحة ودقيقة حول إجراءات إسرائيلية للنيل من غزة وفصائل المقاومة بها، وتوجيه ضربة عسكرية واسعة، في ظل التعدي والاجراء الصارخ ضد المسجد الأقصى المبارك والاستيطان في الضفة، ورغبة حكومة التطرف الإرهابية حسم القضية الفلسطينية.
حينئذ بدأت المقاومة بتوجيه ضربة قوية لا تزال دواها تتردد في عملية "طوفان الأقصى" المتواصلة منذ عام؛ تلك المعركة التي بدأت بتدمير المقاومة لفرقة غزة.
"فرقة غزة" فرقة عسكرية في جيش الاحتلال تحمل الرقم "643"، وتعمل تحت إمرة المنطقة العسكرية الجنوبية، ومقرها قاعدة رعيم التي تبعد عن قطاع غزة 7 كيلومترات، وتكمن مهمتها في حراسة الحدود المتاخمة لقطاع غزة وإدارة عمليات الاغتيال وتدمير الأنفاق التي تكتشفها في غلاف غزة، وتضم لواءين: شمالي وجنوبي.
و تعد قاعدة "رعيم" من أول الأهداف التي استهدفتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مع انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، التي أدت إلى مقتل أكثر من ألف إسرائيلي وإصابة الآلاف خلال أول 5 أيام.
وأنشأت "فرقة غزة" في أعقاب انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان اسمها "مجموعة ثعالب الجنوب"، وتركزت مهمتها بالسيطرة على غزة وخان يونس ورفح، واتخذت من مستوطنة "نفيه دكاليم" مقرا لها، وقد كانت هذه المستوطنة هي المقر الإداري للمستوطنين وهدمت لاحقا.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة عام 2005 خرجت الفرقة من القطاع وتمركزت على حدوده.
الموقع والتمركز
تتمركز فرقة غزة في قاعدة رعيم، التي هي جزء من اللواء الجنوبي في الجيش الإسرائيلي، وكان اسمها الأصلي "ثعالب النار"، ويقدر عدد جنودها بعشرين ألفا يتوزعون بين فرق قتالية ووحدات هندسة واستخبارات وغيرها.
تتشكل فرقة غزة من:
اللواء الشمالي:
ويحمل اسم "هغيفن". تأسس اللواء عام 1988 واتخذ وسط مدينة غزة مركزا له، ومن هناك أدار عمليات مواجهة المقاومة وملاحقتها، وكان المسؤول عن توفير الحراسة للمستوطنات الإسرائيلية شمال القطاع، وعن إدارة وتشغيل معبر "إيرز". وبعد الانسحاب من غزة في 2005، نقل مقره إلى مستوطنات غلاف غزة.
لواء المركز:
انتشرت وحداته وسط القطاع، وبعد اتفاق "غزة-أريحا" (سبتمبر/أيلول 1993) تم دمجه مع اللواء الجنوبي.
اللواء الجنوبي:
ويعرف بـ"لواء قطيف"، كان يوفر الحراسة لتجمعات استيطانية في غزة منها "قطاع أشكول"، وتولى مهمة حراسة مستوطنات القطاع "غوش قطيف". تأسس بعد حرب يونيو/حزيران 1967، وكانت مدينة خان يونس مقرا له، وبعد الانتفاضة الأولى أوكلت له قيادة الجزء الجنوبي من القطاع، لينتقل بعد الانسحاب إلى منطقة "كرم أبو سالم".
وتعمل من خلال فرقة غزة عدة وحدات عسكرية، منها:
"وحدة شمشون" ورقمها 367:
نشط أفرادها ضمن فرق المستعربين، ثم دمجت مع وحدة "دوفدفان". وتولت الوحدة مهمة اغتيال القيادات الفلسطينية في غزة.
وحدة "أفيري هبلادا" (فرسان الفولاذ):
وشكلت عام 2003 بعد ارتفاع العمليات الفدائية لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة. وأوكلت إلى هذه الوحدة مهمة كشف وهدم أنفاق في غزة، وتنفيذ عمليات اغتيال، وهدم منازل الناشطين الفلسطينيين.
وتقاتل الوحدة عناصر المقاومة داخل القطاع، ولها صلاحيات شق الطرق وهدم المنازل.
ولم تكتف المقاومة بتدمير فرقة غزة، فحسب بل أيضا وجهت ضربة قوية لمناطق الغلاف التي لا تزال تدفع ثمن جرائم حكومتها اليمينية المتطرفة.
و أبقت دولة الاحتلال بعيد انسحابها من القطاع عام 2005، على عدد من التجمعات في المنطقة المتاخمة للمنطقة العازلة مع القطاع. وتتكون تلك التجمعات من حوالي 50 بلدة معروفة منذ ذلك الحين بغلاف غزة أو ما يُعرف بالعبرية "بعوتيف غزة".