نسمات هواء ترتفع وتيرتها مع حلول ساعات المساء، وتحرك بقدومها أقمشة الخيام وشوادرها يمنة ويسرة، وسماء تصفو ساعة وتتكدر بالغيوم ساعة أخرى، مع إحساس بالبرودة يعتري الأجساد ليلًا، تلك علامات كانت تشي بحلول فصل الخريف المنتظر لعشاق الشتاء مشيرة لانتهاء فصل الصيف بلهيبه الحارق.
لكنها اليوم بدأت تدق محيط النازحين في العراء تخبرهم بعودة الشتاء من جديد، ضيفًا ثقيلًا على خيامهم المترامية في مناطق مختلفة جنوبي قطاع غزة.
أكثر من أحد عشر شهرًا على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال (الإسرائيلي) ضد المواطنين المدنيين في قطاع غزة، انقضى خلالها شتاء بكل ما فيه من معاناة، ويحل آخر بذات الهواجس التي لم تغب بعد عن ذاكرة النازحين.
ومع أول زخات خفيفة للأمطار تساقطت على مناطق متفرقة في محافظات القطاع صباح الأحد، غمرت مياه البحر مئات الخيام المقامة على رمال الشاطئ على امتداد ساحل مدينتي دير البلح وخانيونس وذلك بفعل ظاهرة المد والجزر.
يتحدث أحد المواطنين عن تلك الليلة قائلًا "عشنا ليلة صعبة اختلط فيها شعور الخوف، خوف من الاحتلال (الإسرائيلي) واستهدافاته، وخوف من البحر وأمواجه!"
ويتابع "ارتفع الموج فجأة، دخلت مياه البحر إلى الخيام وأغرقت الفراش بينما كان أطفالنا نائمين!"
وإذا مررت سريعًا بالخيام تلفتك محاولات المواطنين المختلفة لتثبيت خيامهم كي تصمد في وجه الرياح المقبلة، وتجذبك حواراتهم التي تعبر عن مخاوفهم من الزائر الجديد!
حيث بدأ بعض النازحين بإقامة سواتر رملية قبالة أمواج البحر في محاولة لحماية خيامهم من الانجراف نحو الشاطئ.
فمئات أخرى من الخيام يقطنها آلاف النازحين مهددة بالغرق في مقبل الأيام لا سيما تلك التي تقام على بعد أمتار من الساحل.
وفي خيمة صنعت من أقمشة بالية وقفت (أم محمد) تقول "غرقت خيامنا ولم تسقط الأمطار بعد!!"
وتتساءل "ماذا سنفعل في الأيام المقبلة حين يشتد الشتاء؟!"
وتلفت (أم محمد) أنها نزحت إلى جنوب القطاع في الشهر الأول للحرب، وتنقلت خلال الفترة الماضية في أكثر من مكان بين المحافظات، بفعل أوامر الإخلاء المتكررة من جيش الاحتلال (الإسرائيلي) مشيرة أن خيمتها لم تعد تحتمل المزيد، وتحتاج لصيانة وإعادة ترميم.
ويشكو (أبو كريم) من ارتفاع أسعار الشوادر المفاجئ وغير المسبوق في الأسواق قائلًا "أحتاج قرابة ١٠٠٠ شيكل ثمن الشوادر فقط إذا قررت أن أنصب خيمة جديدة تحمي أطفالي وعائلتي من الأمطار!" موضحًا أنه يحتاج مبلغًا آخر لشراء الأخشاب واللوازم الأخرى لإقامة الخيمة!
حيث وصل سعر الشادر الواحد إلى 550 شيقل، في حين كان سعره في بداية عدوان الاحتلال (الإسرائيلي) 150 شيقل.
حالة من الحيرة والقلق يعيشها النازحون قبيل دخول فصل الشتاء في ظل عدم جهوزية خيامهم لاستقباله، حيث خرجت خيامهم عن الخدمة مع تعرضها الطويل لأشعة الشمس طوال فصل الصيف.
بدوره أطلق المكتب الإعلامي الحكومي نداء استغاثة إنساني عاجل لإنقاذ مليوني نازح في قطاع غزة قبل فوات الأوان بالتزامن مع قدوم المُنخفضات الجوية ودخول فصل الشتاء واهتراء خيام النازحين.
وقال المكتب في بيان له وصل "الرسالة نت" ، إن أعداد النازحين لا تزال في تدفق وازدياد يوماً بعد يوم، حيث بلغ عدد النازحين بشكل عام من 1,9 مليون نازح إلى 2 مليون نازح في محافظات قطاع غزة.
وأضاف: لدينا في قطاع غزة 543 مركزاً للإيواء والنُّزوح نتيجة ارتكاب الاحتلال "الإسرائيلي" جريمة التهجير القسري وهي جريمة ضد الإنسانية من خلال إجبار المواطنين على النزوح الإجباري من منازلهم وأحيائهم السكنية الآمنة وهي جريمة مخالفة للقانون الدولي.
ويحذر المكتب الإعلامي الحكومي من كارثة إنسانية حقيقية بفعل دخول فصل الشتاء وظروف المناخ الصعبة، وبالتالي سوف يصبح 2 مليون إنسان بلا أي مأوى في فصل الشتاء وسيفترش هؤلاء الأرض وسيلتحفون السماء، بسبب اهتراء خيام النازحين وخروجها عن الخدمة تماماً، وكذلك بسبب إغلاق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وبسبب منع الاحتلال "الإسرائيلي" إدخال قرابة ربع مليون خيمة و"كرفان" إلى قطاع غزة في ظل هذا الواقع المرير.
وطالب المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية والأممية والمؤسسات العالمية ذات العلاقة إلى الخروج عن صمتها وتقديم الإغاثة الفورية والعاجلة لمليوني نازح هم بأمس الحاجة إلى مأوى مناسب يقيهم من برد الشتاء وحرارة الصيف، وقبل ذلك الضغط على الاحتلال وعلى الأمريكان لوقف جريمة الإبادة الجماعية ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة.
وفي ذات السياق تؤكد بلدية خانيونس وجود أكثر 1.2 مليون نازح ومواطن في خان يونس وأحيائها المختلفة وجميعهم مُعرضون لمخاطر الشتاء والمنخفضات الجوية.
وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والإغاثية التدخل الفوري والعاجل لإنقاذ المواطنين والنازحين من الأخطار المحدقة بهم مع دخول فصل الشتاء مخافة الغرق بمياه الأمطار.
ودعت المجتمع المحلي والتجمعات الشبابية والعائلية والمؤسسات الصديقة إلى مساعدة طواقم البلدية في حماية المواطنين والنازحين والتعاون ميدانيًا لدرء المخاطر التي قد تنجم عن تساقط مياه الأمطار.