قبل 24 عامًا، وتحديدا في الثامن والعشرين من أيلول عام 2000، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى)، التي ارتقى خلالها ما يقرب من 4500 شهيد، وأصيب أكثر من 50 ألفا.
شرارة الانتفاضة أوقدها اقتحام زعيم المعارضة الاسرائيلية في حينه ارئيل شارون للمسجد الأقصى، وهوما فجر الأوضاع بالضفة الغربية وقطاع غزة.
مئات الجنود وعناصر شرطة الاحتلال انتشروا في المسجد، لتأمين الاقتحام؛ لكنّ مشاعر المصلين لم تحتمل المشهد، فاستخدموا كل إمكانياتهم لإفشاله، وانهالوا بالأحذية على رؤوس المقتحمين عند باب المصلى القِبلي من المسجد، وأُصيب في ذلك اليوم العشرات من الفلسطينيين.
شعلة الغضب
وللمقارنة، فالظروف السياسية والميدانية ذاتها التي فجرت الانتفاضة، تشابه تماما الظروف القائمة حاليا، حيث انغلاق الأفق السياسي، واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني، وتواصل البناء الاستيطاني وتهويد الأقصى.
وإن كان تدنيس شارون للأقصى، فجر انتفاضة العام 2000، فمخططات التهويد والتقسيم واقتحامات المتطرفين المستمرة هي التي شكلت الحافز الأكبر لعملية طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023.
وأصيب في أحداث اليوم الأول من الانتفاضة، 20 شابا بجروح مختلفة، وشهد اليوم الثاني، مواجهات أكثر شدة، بعد انتهاء صلاة الظهر، أسفرت عن استشهاد ستة شبان و300 جريح.
محمد الدرة
وجاء اليوم الرابع من المواجهات، ليصب الزيت على نار الغضب الفلسطيني، إذ وثق صحفي عملية إعدام جنود الاحتلال للطفل محمد الدرة (11 عاما) في شارع صلاح الدين بغزة.
من البداية؛ استخدمت سلطات الاحتلال دباباتها في مواجهة المتظاهرين الفلسطينيين، وانتشرت بكثافة صورة الطفل الفلسطيني الشهيد فارس عودة، يحمل حجرا مقابل دبابة إسرائيلية، قبل استشهاده.
وبينما اقتصر سلاح الفلسطينيين على التظاهرات وإلقاء الحجارة وإشعال إطارات السيارات في نقاط الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، ردّ الجيش بالرصاص الحي والقذائف.
وخلال أسبوعين من المواجهة، استشهد نحو مئة فلسطيني، ولم تُجدِ نفعا محاولات احتواء الوضع المتفجر، بما في ذلك اتفاق على وقف إطلاق النار في 17 أكتوبر/تشرين أول من العام 2000.
واستشهد 13 مواطنا في الداخل المحتل، خلال مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في عدد من البلدات والمدن الفلسطينية، في أوسع مشاركة للفلسطينيين بالداخل في التصدي للاحتلال.
اغتيالات القادة
وسلك الاحتلال نهج الاغتيالات عبر القصف الجوي، حين استهدفت طائرات إسرائيلية يوم 9 نوفمبر/تشرين ثان عام 2000، سيارة مدنية في مدينة بيت لحم، واغتالت حسين عبيات، ليفتح باب الاغتيالات على مصراعيه، ويطال قيادات سياسية وعسكرية فلسطينية.
وكان من أبرز ضحايا نهج الاغتيالات لاحقا، غالبية قادة الصف الأول من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، وذلك في 22 مارس/آذار2004.
ودفعت سياسة الاغتيالات الفصائل الفلسطينية إلى تنفيذ عمليات فدائية داخل المدن الإسرائيلية ردا على عمليات القصف، مستهدفة أماكن التجمع مثل الأسواق والحافلات والمقاهي.
الاجتياح
ولعل من أبرز أحداث الانتفاضة؛ اجتياح العام 2002، حيث بدأت دبابات الاحتلال بدخول رام الله في 29-3-2002، ومحاصرة مقر الشهيد الراحل عرفات، وكنيسة المهد، وأعادت فيها إسرائيل اجتياح جميع مدن الضفة الغربية.
وارتكب الاحتلال خلال الاجتياحات، العديد من المجازر بحق الفلسطينيين، أبرزها مجزرة مخيم جنين في نيسان 2002، بعد صمود أسطوري لمقاتلي المخيم وأبنائه.
ولم يُنظر لانتفاضة الأقصى على أنها أداة سحرية لتحرير فلسطين، إنما هي وسيلة لإبقاء القضية حيّة في نفوس أصحابها، ومن يدعمها.
وكانت الانتفاضة بمثابة صفعة شديدة لمفاوضات ظالمة مجحفة وعبثية استمرت نحو عقد من الزمن دون أن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية.