تفتقدها اليوم منصات العمل الصحافي الأجنبي، التي عرفت رسالتها تمام المعرفة، وكذلك عرف الاحتلال تأثيرها، لذلك استهدفها بالقصف المباشر لها ولعائلتها، لترتقي الصحافية وفاء العديني، وتلاحق بقافلة الصحفيين الشهداء ضحايا حرب الإبادة الجماعية في غزة.
مسح كامل لأسرة الصحافية العديني من السجل المدني، بعد أن قصفتها طائرات الاحتلال مع زوجها وطفليها، ظنا منهم أن الرسالة الأجنبية ستقف، والاتصال مع العالم سينقطع، ولكنه لا يعلم بأن وفاء تركت وراءها فريقا كاملا من العاملين الذين ربتهم على يديها، وبلغة إنجليزية قوية، لتظل الرسالة بعدها قائمة، لأنها تعرف طرق الاحتلال العنجهية لقتلنا.
جاءت وفاء إلى مؤسسة الثريا للاتصال والإعلام عام ٢٠٠٩ تاركة خلفها وظيفة فى وكالة الغوث الدولية لتشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين والتحقت بطاقم العمل النسوي ضمن مشروع صغير للعمل به بعد عدوان عام 2008 ،2009 ، وكان المشروع يتمحور حول إعداد صياغات وسياسيات عامة لتحسين الخطاب الإعلامى الموجه للغرب، وهنا بدأ شغفها الذى لم ينطفئ حتى اللحظة.
تقول زميلتها الصحافية ديانا المغربي:" بعد شهور قليلة من العمل والتدريب والتطوير والمتابعة ومناقاشات الكتب استطاعت وفاء أن تصنع محددات إعلامية واضحة حول الخطاب الإعلامي وصنعت مجموعة من طلبة قسم الإعلام واللغة الإنجليزية كمتحدثين باللغة الانجيزية حول القضايا الوطنية الفلسطينية المصيرية ضمن فريق مكون من قرابة 50 شابا وشابة".
ولا تنسى المغربي كيف تم اختيار الفريق ضمن مقابلات شخصية وامتحان لغة و امتحان متعلق بالثقافة العامة ليكون باكورة جروب الإعلام الأجنبي.
وقد رافق الأيام الأخيرة من انطلاق الفريق انتهاء بعثة (غولدستون) من عملها فى قطاع غزة، وكانت مهمة اللجنة التحقيق في دعاوى ارتكاب جرائم حرب قبل حرب غزة وخلالها وبعدها. وأشار التقرير إلى أن الجيش الإسرائيلي قد ارتكب ما يمكن اعتباره جرائم حرب، وفي بعض الأحيان قد يرقى بعض من هذه الجرائم إلى جرائم ضد الإنسانية.
أيد التقرير ونتائجه عدد من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش. نوقش التقرير في مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر 2009، ثم طلب سحب التقرير من المناقشة من قبل السلطة الفلسطينية وأجل إلى جلسة مارس 2010.
تذكر المغربي كيف أثار هذا التأجيل تنديدًا داخل فلسطين وعلى الصعيد العربي، كما انتقدته منظمات حقوقية دولية. بتاريخ 16 أكتوبر 2009 اعتمد تقرير بعثة تقصي الحقائق، حيث وافق عليه 25 بلدًا، وعارضه 6، وامتنع 11 بلدًا عن التصويت. وفي 6 نوفمبر من العام نفسه، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التقرير بأغلبية 114 صوتًا ورفض 18، بينما امتنعت 44 دولة عن التصويت.
تقول المغربي:" فى خضم هذه الأحداث انطلق فريق الإعلام الأجنبي كواحدة من وحدات مؤسسة الثريا للاتصال والإعلام واختارت لها وفاء حينها مع الدكتور الشهيد العلم والراية رفعت العرعير و الدكتور نهاد الشيخ خليل والنائبة هدي نعيم اسم (16 أكتوبر) تخليدا لهذا التقرير الذي الذي كان سيحقق نتائج كثيرة لولا أن جهود السلطة الدبلوماسية آنذاك سحبته من اللجنة ".
تكمل المغربي:" ذكرت هذا التوثيق لهذه المرحلة حتى تعرفوا جميعا أن وفاء لأكثر من ١٥ سنة، لم تكن رقما أبد ، كانت تبحث وتؤرخ، وترصد، وتحمل ثقافة واسعة، وقد أخبرتني لمرت عديدة فى كل تصعيد عايشناه أنها لم تكن تطوي ليلها ولا نهارها لتظل على تواصل مع أى محفل يمكن تتحدث فيه عن فلسطين" .
كانت تحتل شاشات الفضائيات بملابسها المحتشمة ونقابها الذى شكل هوية بصرية لها كناشطة دولية وهى التى كانت تكره الكاميرات أو الحديث عن نفسها.
رحلت وفاء العديني، الفلسطينية المحتشمة، التي نقلت للعالم صورة الصحافية المنقبة وكانت تلك بصمتها وهويتها كما تقول المغربي، ولعل ذلك كانت رسالة أخرى تحسب في سجلها المشرف.
وهذه وفاء، ليست رقما في العمل الصحافي، ولكنها معادلة كبيرة، تفكر وتخطط لمستقبل وأمامها كل التوقعات، وتعلم تماما سياسة المحتل الذي سيحاول أن يغتال الصوت والصورة في كل الأحوا، لذلك تركت وراءها جيشا من الورثة.