سما جمال الثلاثيني، طفلة في الثانية عشرة من عمرها، الصغيرة المدللة، التي تحملت فوق طاقتها بأضعاف، في اجتياح مستشفى ناصر الطبي بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة في الشهر الأخير من العام الماضي والذي كانت قد لجأت إليه مع عائلتها بعد انتهاء الهدنة.
وحينما بدأ الاحتلال بقصف المستشفى خسرت إخوتها، وأصيبت أمها، وأصيبت هي في وجهها، فنقلت مع والدتها وبقية الجرحى إلى المستشفى الأوروبي شرقي خانيونس.
كانت متلحفة بالمرض، بعينين خضراوين جميلتين، ونصف وجه مشوه، ثم تفتحت الجراح واندملت، وبقي أثرها على الخد الصغير الناعم، لكن الإصابة تصبح أعمق وأكثر ألمًا في ظل الجوع: "كنت أنام جائعة، وأشعر بالبرد، وأغطي نفسي حتى لا تسمع أمي قرقعات بطني الجائع، فتتوجع فوق وجعها."
كانت الساعة الواحدة فجرًا، حينما استهدف الاحتلال خيام النازحين في مستشفى ناصر، ووجدت الطفلة نفسها مسؤولة عن أمها المريضة، وهي التي لم تبرأ بعد.
لا تتكلم سما عن نفسها، بل تتكلم عن رفاقها أطفال المخيم في منطقة المواصي جنوبي القطاع حيث تنزح الآن، وتناجي كل من يسألها من الصحافيين لعلها تنقذ نفسها وتنقذهم، وفي عقلها الطفولي بعض أمل يمكن أن يعطيها دفعة بأن يكون لدى هذا المحتل بعض من إنسانية ورحمة تجاه أطفال غزة.
تكرر بعد كل تعبير عن الوجع: "الحمد لله، إحنا أحسن من غيرنا" وغيرنا هذه تشير إلى واقع الأطفال المعدوم في الخيام والذي تشاركهم به سما كل يوم في منطقة المواصي.
وقد لا تتوقع سما أن يمارس على الأطفال بشاعة القتل بهذه الطريقة السادية لذلك تفرح حينما يطلب أحد منها أن تتكلم معبرة عن وجعها، لعل رسالة منها تصل إلى العالم فيستفيق من غفلته: "أمي قدمها مصابة وفيها بلاتين، وأصيبت بجلطة من حزنها على فقد إخوتي، أنا مسؤولة عن رعايتها"
ليست سما وحدها التي تعاني من ويلات الإبادة، فقد أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن عدد الأطفال الذين استشهدوا بسبب الحرب المستمرة في قطاع غزة يفوق عددهم مدى 4 أعوام من النزاعات في العالم.
وبحسب الأرقام، التي شاركها المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني عبر صفحته على منصة إكس، فقد قُتل ما مجموعه 12193 طفلًا بين عامي 2019 و2022 حول العالم، في حين قُتل ما مجموعه 13300 طفل في غزة بين أكتوبر 2023 حتى الآن.
ووفقا للأرقام التي نشرها مسؤولو الصحة الفلسطينيون، فإن عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول أكبر من ذلك الذي شاركه لازاريني، مع الأخذ بالاعتبار أن كثيرًا منهم لا زالوا تحت الأنقاض أو في عداد المفقودين.
وقالت وزارة الصحة في غزة ، إن 72% من إجمالي الشهداء البالغ أكثر من 40 ألف شهيد، من الأطفال .
كما أن 17,000 طفل يعيشون بدون والديهم أو بدون أحدهما، و أكثر من 12000 جريح يحتاجون للعلاج المكثف والذي أصبح معدومًا في ظل منع تحويلات العلاج وانهيار النظام الصحي ومنع دخول الأدوية إلى القطاع المحاصر.