قائد الطوفان قائد الطوفان

ملاذ آمن للضيف والغول

(نتساريم).. عندما تلاعب أكبر المطاردين في أحشائها

غزة - خاص الرسالة نت

لم يمح الفلسطينيون من ذاكرتهم، حاجز نتساريم، تلك المستوطنة التي تحدث عنها شارون بأنها كـ"تل أبيب"، وكانت تسطو على مساحات واسعة من القطاع، تفصل شماله عن جنوبه، وتعتبر واحدة من أهم المستوطنات التي بنيت على أرض غزة منذ العام 1948م.
المستوطنة؛ التي شكلّت أرقًا كبيرا للمواطنين، وعنوانًا لإذلالهم وإرهابهم، وسطوة للعدو على أرضهم وممتلكاتهم، ومنطلقا للعدوان على كل شيء يخصّهم؛ لم تكن الصورة هكذا فقط؛ بل قابلها أخرى؛ لرجال وضعت (إسرائيل) صورهم بملايين الدولارات مقابل الإمساك بهم؛ وكانت تطاردهم من بيت لبيت؛ ثم ما عرفت أنهم كانوا يعبثون بأحشائها في نتساريم!
مع عودة الاحتلال للسيطرة على هذا الحاجز منذ بدء حرب الإبادة المتواصلة على القطاع في أكتوبر الماضي؛ وما رافقها من عمليات نوعية نفذتها المقاومة ضد أهداف العدو فيها؛ تستحضر شخصيات قيادية مع "الرسالة نت" فصولا للمطاردين؛ تكشف كيف كان الأمن (الإسرائيلي) هشّا وكيف مثلت المستوطنة خاصرة رخوة تلاعبوا فيها؛ حتى أجبروا شارون على النزوح منها عام 2005م.
ويقع ممر نتساريم (المحور الأوسط) بين مدينة غزة والمحافظة الوسطى، يبدأ من المنطقة المقابلة لكيبوتس "بئيري" شرقا، وصولا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط غربا، يبلغ طوله حوالي 7 كيلومترات، وسمي على اسم مستوطنة "نتساريم" السابقة التي كانت مقامة فيه.
وتجاوره منطقتا جحر الديك والمغراقة، ويقطعه شارع صلاح الدين من المنتصف، وتحده مدينتا الزهراء والأسرى من جنوبه الأوسط وجنوبه الغربي، كما يشغل حي الزيتون المساحة الكبرى من حدوده الشمالية، أما الجهة الشمالية الغربية فتجاوره منها منطقتا الصبرة والشيخ عجلين.
على مسافة بضع أمتار قليلة؛ كان يمكث منزل الاستشهادية ريم الرياشي؛ تلك الاستشهادية التي فجرّت الكيان في عمقه، كأول استشهادية في كتائب القسام، وأول استشهادية في القطاع.
ريم الرياشي، يقول قيادي في المقاومة الفلسطينية لـ"الرسالة نت"، إنّ عمليتها التي نفذتها عام 2004م، كانت بتخطيط شبه كامل من قائد أركان المقاومة محمد الضيف؛ برفقة مهندسين من الكتائب، أبرزهم القائد ياسر طه، والقيادي فوزي أبو القرع؛ الذي أمسك يومها بملف العمليات في كتائب القسام.
لكنّ المفاجأة التي يفجرها القيادي؛ هي أن هؤلاء القادة وعلى رأسهم محمد الضيف؛ التي كانت تبحث عنه (إسرائيل) شبرا شبرا في غزة؛ كان في منزل ريم الذي يبعد فقط مئات أمتار من نتساريم.
كان الضيف يراقب الاحتلال عن كثب، تحركاته وآلياته هناك، ويقول بصوت مرتفع لرفاق دربه، "والله لنربيهم؛ ونخليهم يعرفوا أنه الله حق"، كان ذلك يشدّ من عزيمة ريم؛ التي أصرّت وألحت بإصرار شديد على تنفيذ العملية الاستشهادية.
ريم واحدة من النساء الفلسطينيات اللواتي واجهن عدوان الاحتلال وغطرسته، وعاشت تفاصيل إجرامه بحكم قرب سكنها من حاجز نتساريم؛ واحدة من أولائكم الذين نكلّ الاحتلال بمنزلها ولم يترك خيارا آخرًا لهم سوى المقاومة، والمقاومة فقط.
يقول القيادي، إنّ الضيف الذي عاش في منزل ريم أثناء الإعداد للعملية؛ لم يستطع الاحتلال للحظة أن يفكر بأن الرجل المطلوب الأول لقواته؛ يمكث على بعد مئات أمتار منه.
يكشف القيادي عن تفاصيل أخرى، تتعلق بظل الضيف ورفيق دربه، "أبو بلال" أحد أبرز قادة الكتائب ومؤسس جهاز التصنيع فيها، القائد الكبير عدنان الغول؛ ابن مدينة المغراقة؛ التي تحد مستوطنة نتساريم.
الغول الذي كان أهم وأبرز المطلوبين للاحتلال، والذي رافق الضيف لسنوات عديدة؛ نكلّ العدو بعائلته، وبعائلة أشقائه الذين رافقوه العمل الجهادي؛ بل وارتقى نجله محمد وابن شقيقه عمران، في اجتياح مفاجئ لقوات الاحتلال للمغراقة، واشتبك الشابان معهما محققان إصابات وقتلى في صفوف العدو.
نزحت عائلته طويلا؛ وقد ارتقت زوجته شهيدة في العدوان الجاري على قطاع غزة، في مجزرة مروعة استهدفت منزل ابنتها.
الزوجة عاشت فصول المطاردة مع زوجها عدنان؛ الذي بات أحد أهم المطلوبين في سنوات الانتفاضة، ووضعت دولة الاحتلال أموالا لقاء الحصول على معلومات عنه، وعن رفيق دربه الشهيد سعد الدين العرابيد، وشهداء آخرون عملوا في جهاز التصنيع بكتائب القسام، أمثال خالد أبو سلمية وغيرهم.
يقول القيادي في الكتائب لـ"الرسالة نت"، إنّ الشهيد الغول برفقة قادة كبار في الكتائب، قادوا في بداية الانتفاضة وتشكل الجهاز العسكري للكتائب، عمليات نوعية من مكان إقامته بالمغراقة؛ بينهم القائد الشهيد أبو نضال حسان؛ الذي أمضى عشرين عاما في سجون الاحتلال، وكان ينفذ عمليات من قلب منطقة المغراقة في نتساريم.
كما أن الشهيد الغول، عاش في منزله مطارٍدا للاحتلال وليس مطاردا له، فكان يطارد جنوده ويترصدهم من مسافة لا تتجاوز في بضع أوقات عشرات الأمتار، وكان يراقب تحركات الدبابات والآليات.
أمضى الغول سنوات عديدة في أقرب الأماكن لنتساريم؛ تلك المنطقة التي كان يعتبرها المكان الآمن حين تشتد هجمة المحتل ضد المطاردين في سنوات الانتفاضة.

مع عودة العدو للمنطقة؛ تقول مصادر بالمقاومة، إن قوات الاحتلال عملت على توسيع نفوذ المنطقة العسكرية لأكثر من 5 كم؛ في محاولة بائسة لمنع هجمات المقاومين ضد المحور؛ بعدما تعرض لأشهر طويلة لضربات دقيقة بقذائف الهاون ومنظومة رجوم.

لكنّ هذا أحال مهمة العدو من الهجوم كما كان مخططا لنتساريم؛ بأن يجعلها منطقة انطلاق لدباباته في عمليات القتال؛ إلى منطقة دفاعية؛ صرّح به مصدر في الجيش بالقول: "جنودنا فقط يعملون لأجل أن يمنعوا عن أنفسهم الموت في نتساريم!"

ويؤكد د. واصف عريقات الخبير في الشؤون العسكرية، أنّ العمليات التي نفذتها المقاومة بشكل متواصل ضد وجود القوات الإسرائيلية في نتساريم؛ ألغى المهمة الرئيسية لها والتي تمثلت من الهجوم على المدن والمنشآت إلى جانب الدفاع عن القوات فقط.

وأوضح عريقات لـ"الرسالة نت" أن الاحتلال جعل من نتساريم محاولة لأهداف عسكرية تتعلق بالهجوم على المواقع، ومدنية وتتعلق بالسيطرة على سكان الشمال، وأخرى جغرافية تتمثل بفصل القطاع شماله عن جنوبه.

وبين أن المقاومة أفشلت هذه الأهداف إلى جانب صمود الشعب الفلسطيني في الشمال؛ وهو الأمر الذي يدفع الاحتلال الآن للتحرك تجاه منطقة الشمال بمذابح؛ من أجل تحقيق أهدافه في ترحيل الفلسطينيين بعدما عجز عن السيطرة عليهم.

 

البث المباشر