لم يتبق شيء من جثمان الشهيد حسن صبح الموظف في أطباء بلا حدود، سوى بعض من ملابس العمل الرسمية المختومة بإشارة المنظمة، ولا شيء آخر ، بل لا يزال تحت أنقاض منزله في قيزان النجار جنوبي مدينة خانيونس، أو هكذا تخمن العائلة، رغم أنها عادت إلى المنزل وبحثت بمساعدة الدفاع المدني، فلم تجد له أثر.
تنظر ابنته الطفلة أنسام صبح إلى المنزل المهدم، والذي كان قد فضل البقاء فيه رغم نزوح عائلته، وتقول: "لو أنني أعثر على شيء واحد متبقي من جسده على الأقل، لقد بحث الدفاع المدني كثيرا ولم نجد سوى بعض ملابسه".
ولكن الصبية الصغيرة لم تضع يوما في احتمالاتها أن يستهدف والدها، "كنا نقول نحن محميون، لأن أبي يعمل في منظمة دولية، ولا يستهدف الاحتلال العاملين فيها، بل هم محصنون بعملهم، ولكن هذه الحرب أثبتت العكس، لقد استهدفت الطائرات كل البشر".
أما والدته، فبعد أن عثرت على هاتفه وأجهزة تخصه بين الأنقاض، عرفت أن ابنها كان في المنزل وبأنه استشهد فأخذت تتراكض باكيه وتقول: إنه هنا، يمه هيو هنا"، ورغم ذلك لا يوجد جسد رغم العثور على كل أغراضه الشخصية.
قتلت قوات الاحتلال حسن صبح ليلة 24 أكتوبر/تشرين الأول بعد أن أصابت غارة جوية منزل قريبه، حيث كان يقيم في خان يونس. ووفقًا لوزارة الصحة، أصاب هذا الهجوم عدة منازل وقتل 38 شخصًا، بينهم 14 طفلًا وأربعة أفراد من عائلة حسن.
انضم حسن إلى منظمة أطباء بلا حدود كعامل متخصص في أبريل/نيسان 2019. كان يبلغ من العمر 41 عامًا وترك زوجة وسبعة أبناء.
ولم يكن حسن هو الأول الذي استهدف من موظفي المنظمة، فقبله استهدف الدكتور محمود أبو نجيلة والدكتور أحمد السحار وكانا قد رابطا في عملهما بمستشفى العودة شمال قطاع غزة، ولم يبرحا إلا حينما استشهدا، وقد مرت أمام أعينهما كل أشكال المآسي والموت الذي يصعب تصديق طرقه الوحشية.
رسالة تركها الدكتور محمود أبو نجيلة على السبورة البيضاء في مستشفى العودة، ورحل بعدها "لقد فعلنا ما بوسعنا، تذكرونا"، ثم قتله الاحتلال لاحقًا في غارة جوية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وأدت الغارة إلى مقتل ثلاثة أطباء، اثنان منهم من موظفي منظمة أطباء بلا حدود، وإصابة العديد من الآخرين.
واستشهد أيضا الدكتور أحمد السحار.، أو الطبيب الشاب، العريس كما تحدثت عنه وسائل الإعلام، والذي تخرج من الجامعة الإسلامية، ولم يمض على خطبته سوى أيام قليله ما قبل بداية الإبادة، وظل مرابطا في مستشفى العودة شمال غزة، بل وتعهد ألا يتركها أبدا، حتى استشهد بغارة جوية استهدفت المستشفى بشكل مباشر في 21 نوفمبر – 2023 مع زميله الدكتور أبو نجيلة.
الدكتور محمد عبيد هو آخر المستهدفين، في اقتحام جباليا الذي لا زال مستمرا، وهو أيضا أحد موظفي المنظمة، وقد فضل البقاء شمالا في مستشفى كمال عدوان، بل وأصر على ذلك، أكمل رسالته حتى الرمق الآخير، قبل أن يعتقله الاحتلال منذ أيام في اجتياحه الأخير للمستشفى، ولا تعلم المنظمة أي شيء عنه منذ ذلك اليوم، كان الدكتور عبيد يعمل في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، وهو من أشهر أطباء العظام في قطاع غزة.
يحاول الاحتلال طرد المؤسسات الدولية من خلال استهدافاته المباشرة والمتكررة للعاملين فيها.
وقالت رئيسة المكتب الإعلامي لأطباء بلا حدود في الشرق الأوسط إيناس أبو خلف في مقابلة سابقة مع الجزيرة: "لقد فقدنا أطباء كانوا يعملون معنا، وقد أطلعنا الاحتلال الإسرائيلي على إحداثيات عملنا في تلك المستشفى، وقبله استهدفت قافلة تحاول إخلاء طواقم العمل وكنا قد سلكنا طريق صلاح الدين متجهين إلى وادي غزة، وأطلقوا النار على الفرق الطبية وفقد العديد من الزملاء أفراد أسرتهم رغم أن شعار المنظمة على كل السيارات".
كما استهدف الاحتلال مرة أخرى سيارات المنظمة بجانب مستشفى الشفاء، رغم أن هناك تنسيقا والاحتلال يعرف أماكن تواجد الأطباء وهذه القوافل فيها عناصر المؤسسة.
لا تعرف المنظمة شيئا عن الموظف حسن صبح، وفقدت الاتصال كليا مع الدكتور محمد عبيد، وتعلم جيدا أن الرسالة التي يريد الاحتلال إرسالها بأن الجميع مستهدف، وهو لم ينتهك فقط قوانين حقوق الإنسان، بل انتهك المنظومة الأخلاقية كلها، ووصلت أخلاقه درجة كلية من الانحطاط حينما أصبحت المستشفيات والكوادر الطبية والمنظمات الصحية أجنبية أو عربية أو فلسطينية، كلها مستهدفة.