يواصل الجانب الأمريكي تصريحاته بشأن وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، بينما يضع الاحتلال شروطًا جديدة يوميًا، مما يعرقل التوصل إلى اتفاق، وسط تأكيد من حركة حماس، أنها غير مستعدة لمفاوضات جديدة بل لخطة تنفيذية لقرار مجلس الأمن ومبادرة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 2 أيار/ مايو 2024.
وعلى مدار نحو عام، خاضت المقاومة الفلسطينية، والاحتلال مفاوضات شاقة، توصل فيها الطرفان إلى هدنة أولى، أفرج بموجبها عن مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل عشرات أسرى الاحتلال، لكن الاحتلال خرقها وواصل عدوانه بصورة وحشية على قطاع غزة.
ووصلت المفاوضات إلى حالة أشبه بطريق مسدودة، بفعل رفض رئيس حكومة الاحتلال وقف العدوان على غزة، وتصريحه بوضوح برغبته في صفقة جزئية يستعيد بها أسرى ويواصل حربه على قطاع غزة.
ولو استعدنا الذاكرة لعرفنا أن (إسرائيل) هي أول من عرض هدنة محدودة تستمر بضعة أيام، بحيث تطلق حماس نحو 40 من النساء والمرضى وكبار السن، مقابل وعد بالإفراج عن عدد من كبار الأسرى الفلسطينيين ممن لديهم أحكام عالية، دون أن تربط ذلك بمرحلة أخرى، يتم فيها صفقة شاملة للتبادل تكون مدخلا لوقف الحرب.
ويستعرض مركز الدراسات السياسية والتنموية في ورقة الحقائق تلك المقترحات التي قُدمت، من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووقف التصعيد المستمر في منطقة الشرق الأوسط.
- المفاوضات الأولى:
خلال الأيام الأولى على العدوان، عقب 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدأت الاتصالات الدولية، من أجل إجراء مفاوضات، لتبادل أسرى، بعد أن أعلنت كتائب القسام، أنها تريد إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال بعملية تبادل لكن لن تكون تحت النار.
لكن الاحتلال واصل عدوانه، وبعد نحو 46 يوما على بدء العدوان، وفي 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 أبرم اتفاق على هدنة لمدة 4 أيام، مددت لاحقا إلى يومين إضافيين، وفي اليوم السابع، استأنف الاحتلال عدوانه على خان يونس.
- مقترح باريس:
اجتمع الوسطاء في العاصمة الفرنسية باريس، مع ممثل الموساد ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية، وجرى طرح مقترح، لإبرام اتفاق من ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى بشكل متبادل، في 28 كانون الثاني/ يناير 2024.
ورغم أن حركة حماس، أعلنت دراسة المقترح، إلا أن نتنياهو، أطلق تصريحات قال فيها إن الفجوات كبيرة وغير قابلة للجسر.
- مسودة اتفاق القاهرة:
خلال اجتماع بين الوسطاء في شباط/ فبراير 2024، خرجوا بمقترح لإعلان وقف إطلاق نار لمدة 6 أسابيع، قام نتنياهو مجددا برفضها، ووصف مطالب الحركة بأنها خيالية، وأعلن رفضه إطلاق سراح العديد من الأسرى من أصحاب المؤبدات.
- باريس 2:
عقب اجتماع القاهرة، تباحث الوسطاء مجددا في باريس بتاريخ 23 شباط/ فبراير 2024، وأعلن نتنياهو مجددا أن ما تريده حماس، بعيد عن ما يمكن لـ(إسرائيل) قبوله.
- لقاء الدوحة:
في 18 آذار/ مارس 2024، تقدمت حركة حماس، بمقترح لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وبعد 4 أيام من التباحث فيه عاد نتنياهو لرفض ما جرى نقاشه، وسط تصريحات من اتئلافه المتطرف، برفض أي أفكار لوقف إطلاق النار والتهديد بالإطاحة بالحكومة في حال الموافقة عليها.
- خطة الـ3 مراحل:
طرح الجانب المصري، في بداية أيار/ مايو 2024، مقترحا يقوم على خطة من ثلاث مراحل، لوقف إطلاق النار، وعودة النازحين وتبادل الأسرى، والانسحاب من غزة، وجرى تقسيم المراحل على مدة زمنية تصل إلى 40 يوما لكل منها.
ووسط تصريحات سلبية من نتنياهو وائتلافه، والإيحاء بأن حماس ترفض المقترح، ويحملونها المسؤولية عن ذلك، فاجأت حركة حماس الاحتلال والأمريكان بالموافقة عليه بشكل كامل، لكن نتنياهو رد بالرفض على الفور للمقترح الذي كشف المصريون أنه وافق عليه مسبقا، وقام في اليوم التالي باجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
- خطة بايدن:
خرج الرئيس الأمريكي بشكل مفاجئ في خطاب بتاريخ 31 أيار/ مايو 2024، بمبادرة تقوم على خطة من 3 مراحل:
- تبدأ بوقف لإطلاق النار لمدة 6 أسابيع، والانسحاب من المناطق السكنية المأهولة بغزة، وتبادل أسرى "إنساني" للنساء والمجندات والمرضى.
- أما المرحلة الثانية فتقوم على انسحاب قوات الاحتلال من كامل قطاع غزة، يتم بالتزامن مع إطلاق سراح كافة الأسرى الأحياء والوقف الدائم لما أسماه "الأعمال العدائية".
- وفي المرحلة الثالثة من المقترح، يتم الشروع في خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، بعد الدمار الواسع الذي خلفه الاحتلال، وعلى الفور وبعد ساعات من الخطاب، أعلنت حركة حماس ترحيبها بالمبادرة، واستعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل التباحث فيها.
وأعلن نتنياهو بعد أيام إصراره على ما يصفها بتحقيق أهداف الحرب، وأطلق رفضا مبطنا للمبادرة، وواصل عمليات التوغل في رفح وارتكاب المجازر الواسعة فيها.
- قرار مجلس الأمن 2735:
في 10 حزيران/ يونيو 2024 اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا رحب فيه "بالاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار المُعلن يوم 31 أيار/مايو، الذي قبلت به (إسرائيل). وطالب المجلس حماس بقبوله أيضا، وحث الطرفين على تطبيق بنوده بشكل كامل بدون تأخير أو شروط، واعتمد القرار بعد عقد المجلس جلسة، لبحث مقترح بايدن، وبعد إلقاء الكلمات، أجرى تصويتا عليه وتم اعتماده بموافقة أغلب الأعضاء، وامتناع روسيا عن التصويت.
وبناء على قرار مجلس الأمن، فقد أجريت محادثات في العاصمة الإيطالية روما، وخرج نتنياهو بشروط جديدة، لنسف المبادرة وأصر على الحصول على تعهد أمريكي بمواصلة العدوان على غزة، وإجراء عمليات تفتيش للعائدين إلى شمال القطاع، والسيطرة على محور فيلادلفيا مع مصر.
- بيان مشترك من الولايات المتحدة، ومصر، وقطر:
في 16أغسطس 2024 صدر بيان مشترك من الولايات المتحدة، ومصر، وقطر: إن واشنطن قدمت اقتراحاً لوقف إطلاق النار في غزة "يقلص الفجوات بين الطرفين ويتوافق مع المبادئ التي وضعها الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 مايو 2024، وقرار مجلس الأمن رقم 2735"، فيما قالت "حماس" إنه لا يتضمن الالتزام بما تم الاتفاق عليه يوم الثاني من يوليو.
- المبادرة المصرية الجديدة:
في نهاية شهر أكتوبر 2024 أعلن الرئيس المصري مبادرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة يومين لتبادل 4 رهائن مع بعض السجناء الفلسطينيين، ثم خلال 10 أيام يتم التفاوض لتحويل الهدنة لدائمة، مع السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
- المقترح الأمريكي الأخير:
موقع «أكسيوس» نقلاً عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين قال ان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز طرح اتفاقاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة 28 يوماً وإطلاق سراح نحو ثمانية رهائن محتجزين لدى حركة حماس وإطلاق سراح عشرات المعتقلين الفلسطينيين لدى (إسرائيل).
- الخلاصة:
لم تعلن حركة حماس موقفا سلبيا من جميع مبادرة التهدئة التى طرحت واشترطت وقف إطلاق النار قبل الدخول في مفاوضات الأسرى، وتريد حماس من الولايات المتحدة ومصر وقطر ضمان التنفيذ، وتشعر بالقلق من أن حكومة نتنياهو ستستأنف القتال بمجرد أن تطلق "حماس" سراح المحتجزين المدنيين، حتى لو ظل الجنود الإسرائيليون محتجزين.
وبينما تريد حماس وقفًا دائمًا لإطلاق النار وضمانات لتنفيذ الاتفاقات، فإن (إسرائيل)، بدعم أمريكي، لا ترغب بالتعهد بانسحاب كامل من غزة أو قبول مبدأ "الكل مقابل الكل".
التوصيات:
١- التنسيق بين الفصائل الفلسطينية لضمان موقف موحد في المفاوضات، حيث أن الوحدة تزيد من قوة الموقف الفلسطيني وتجعل شروطه أكثر مصداقية أمام المجتمع الدولي، والتقليل من الفجوات التي قد يستغلها الطرف الآخر.
٢- مواصلة الضغط للحصول على ضمانات دولية لتنفيذ أي اتفاق تهدئة أو تبادل أسرى، بما يشمل إشرافاً دولياً أو آلية مراقبة مستقلة، لوقف الانتهاكات الإسرائيلية لأي اتفاق مستقبلي والحفاظ على استمرارية التهدئة.
٣- إطلاق حملة إعلامية تعريفية بمطالب الفلسطينيين، مثل وقف إطلاق النار، والإنسحاب الكامل، إطلاق الأسرى، ورفع الحصار لجعل الجمهور الدولي والمحلي على دراية بأسس موقف الفلسطينيين وشرعية مطالبهم، مما يعزز التفهم لمواقفهم التفاوضية.
٤- إعداد موجزات إعلامية بخصوص المبادرات الحالية والسابقة تشمل توضيح كل مبادرة بطريقة سهلة ومباشرة للجمهور، مما يزيد من وعيه بأسباب قبول أو رفض الجانب الفلسطيني للمبادرات المختلفة.
ورقة سياسات حقائق صادرة عن مركز الدراسات السياسية والتنموية