قائمة الموقع

(وأصبح فؤاد سائدة شبات خاليا).. فلم يبق أحد

2024-11-12T08:07:00+02:00
سائدة شبات
الرسالة نت

استثنائية سائدة، في كل شيء، في طفولتها، وصباها، في مدرستها كانت وبين عائلتها، الصبية الأجمل، والأكثر تفوقا، وتميزا، بل وإصرار على الحياة، أكملت دراستها الجامعية بعد زواجها، وعملت مدرسة في وكالة الغوث، وتزوجت أيضا من أستاذ في القانون.
هكذا قالت قريبتها للرسالة وهي تصف السيدة الأكثر تميزا بين قريناتها، وتضيف "ربت أولادها الستة كما ينبغي لأم فلسطينية أن تفعل، بماء عينيها سقتهم، كنبتة ريحان في باحة الدار، ظلوا يتمددون أمام عينيها حتى أصبحوا ستة، أربع بنات وولدان".

تضيف القريبة: "انتهى يوسف من دراسة الثانوية العامة، والتحق بالجامعة، متفوق آخر يشبه أمه، ثم ميسون، التي تحيك كل صباح أحلامها الصغيرة برفقة أمها، وتأتي وراءها سارة وميار، ثلاث فتيات آخريات، تشرق الشمس كل يوم من نور أعينهن، وآخرهم الصغير إياس، ابن الدلال الأحب إلى قلب أمه، حفظتهم في جفونها، علمتهم حب القرآن حتى حفظوه كلهم، من الأكبر للأصغر، تعلقوا بالله، فأحب لقاءهم".

هكذا دفعة واحدة، أتت طائرات الاحتلال وابتلعت ستة أبناء وأب، وتركت سائدة شبات في برد الفقد تحدق في المجهول، أو هكذا صورها العالم يوم الجمعة الماضية، حينما ذهبت إلى السوق في مدينة غزة، تاركة أطفالها في حماية مدرسة شحيبر التابعة لوكالة الغوث، حيث يضطر الأهل لتصديق أكذوبة المكان الآمن، ولا سبيل لديهم إلا أن يصدقوا.

لكنها ذهبت في تلك الساعة لتبحث لهم عن طعام، أو ملابس دافئة من برد الشتاء القادم، ولم تكن تعلم أنها ستعود لتبحث عنهم دون أن تجد لهم أثرا، وستظل كل أعوامها القادمة تحاول تدفئة القلب الذي سيأكله صقيع الفقد.
عادت سائدة أدراجها مسرعة، حينما سمعت من المارة عن استهداف مدرسة شحيبر في شارع النصر، دخلت راكضة إلى باحة المدرسة، أوقفها الناس، كانت تقول لا، بأكثر ما أتيت من قوة، وتسأل من، وكيف؟ وعيناها جاحظتان إلى ما تبقى من حطام في المدرسة، حيث لم يبق من جثامين ستة أبناء ووالدهم شيء!

 

قلبت بين الأشلاء، تعرفت عليهم من قصاصات ملابس متبقية، جثامين مختلطة ببعضها البعض، وكأنهم لم يكونوا يوما أبناؤها، ولم تكن تلك عائلتها التي مسحت عن بكرة أبيها.
تتأمل سائدة شبات بقع الدم على أرض الصفوف المهدمة، تحاول أن تخمن، آخر اللحظات التي كانوا فيها مجتمعين هنا، ماذا قالوا، وكيف تصرفوا حينما سمعوا القصف، هل ارتجفت أجسادهم خوفا في غيابها، أم أن الموت كان رحيما هينا على صغارها.
وهذا زوجها، على رأس الفقد، رب عائلة لم يعد لها وجود على هذه الأرض، تعود أدراجها إلى عشرين عاما سابقات، وكأنها تموت أو تولد بدون ذاكرة، حيث يعطي الله ويأخذ بتدابيره، ثم يترك لها الرحمة والكثير من الصبر.


 الآن في قصة الفقد التي تهد الجبال، تجحظ في عيون النساء، تردد جملة واحدة" لا إله إلا الله" جملة تحملها الأمهات في جيوبهن كحل سحري يحمي العقل من توابع الفقد، ترددها وكأنها قد ادخرتها لهذا اليوم، تستعين بالله فيظهر إعجازه على هيئة صبر أم.
ولم تكن سائدة وحدها من فقدت عائلتها، ولكن هناك أم أخرى تشبهها في كل شيء، حيث في يوم الجمعة الماضية الثامن من نوفمبر عادت سائدة مع "سلفتها" من السوق إلى المدرسة حيث نزحت عائلتيهما، فاكتشفتا أن جيش الاحتلال قتل الأزواج والأبناء جميعا، في مجزرة ارتقى فيها 11 فردا من عائلة شبات، كلهم أبناء لامرأتين، عادت كل واحدة منهما أدراجها لتدير دفة الحياة التي انتهت للأبد، وبقيت صرخات أمهات ثكلى، وحيدات حيث لم يبق لهن أحد.

اخبار ذات صلة