في الرابع عشر من نوفمبر الجاري؛ مرت الذكرى الثانية عشر لاستشهاد نائب قائد الأركان أحمد الجعبري أبو محمد؛ الذي ارتقى في عملية اغتيال؛ دكّت على إثرها كتائب القسام عاصمة القرار السياسي والأمني لدى الكيان "تل أبيب" في أول فعل عربي بعد القصف العراقي لها تسعينيات القرن الماضي.
لم تستهدف تل أبيب وحدها؛ أيضا كانت القدس تحت مرمى النيران؛ وهي ترجمة فعلية لتهديدات أطلقها القائد الجعبري قبل استشهاده؛ بعدما وصلتهم رسائل عبر أطراف وسيطة يهدد فيها نتنياهو قيادة المقاومة؛ فكان رده أنه لن يكون آمنا ولو كان في منتصف تل أبيب!
لم يفهم العدو الرسالة جيدا؛ ولم يدرك مراميها؛ ليجد نفسه في أول لحظات أمام ترجمة حرفية لها؛ بعدما منح القائد العام محمد الضيف رسالة البدء في التنفيذ فور استشهاد الجعبري؛ بتعميم صدر بصوت القائد الشهيد رائد العطار أبو أيمن.
الجعبري؛ كان لتوه قد وجه ضربة مؤلمة للعدو في صفقة وفاء الأحرار؛ التي مثلت أول محاولة فلسطينية فعلية للاحتفاظ بجندي إسرائيلي والعمل على انجاز صفقة تحرير داخل الأرض المحتلة؛ أجبر العدو بموجبها الافراج عن 1024 أسيرا؛ بينهم 400 من ذوي الأحكام المرتفعة.
مثلت الصفقة صفعة مدوية في ذاكرة الوعي الإسرائيلي؛ التي لا تزال تكتوي بآثارها؛ وترى فيها خطئا استراتيجيا فادحًا بعدما نجحت المقاومة في الافراج عن عدد مهم من الأسرى؛ الذين اكملوا طريق التحرير؛ وقادوا عملية طوفان الأقصى، وعلى رأسهم القائد الشهيد الرمز يحيى السنوار.
وبدأ العدو يعمل جاهدا لمعرفة كواليس هذه المعركة؛ كيف نفذتها كتائب القسام؛ وكيف أدارت عملية إخفاء شاليط طيلة ثمانية سنوات احتفظت فيه الكتائب بالجندي؛ رغم كل الإجراءات التي نفذتها على صعيد متابعة حتى مكبات النفايات؛ وحرق الجامعة الإسلامية؛ التي توهم بوجوده فيها.
نفذ أيضا عملية اجتياح واسعة عام 2008 لقطاع غزة؛ لم يتمكن خلالها العثور على شاليط؛ كما لم يتمكن أيضا من اسقاط حكم حماس؛ كما اعلنه آنذاك أيهود أولمرت كهدف استراتيجي لتلك الحرب.
فعمد العدو لحيل أخرى؛ كشف عنها أبو عاصم شقيق الشهيد أبو محمد؛ حين عرض جهاز أمني لدولة عربية؛ شهادة الدكتوراة على الشهيد في العلوم العسكرية؛ مقابل عمل دراسة تجيب عن 6 أسئلة على النحو التالي:
1- التخطيط للعمليه؟
2- تنفيذ العملية؟
3- الخطف؟
4- الإيواء؟
5- التفاوض؟
6- التسليم؟
رفض أبو محمد وأجاب: "لن نرد على أي من هذه الأسئله ويبقى هذا التاريخ حكراً للشعب الفلسطيني ولن نعطيه لأحد ونحن لا نرغب بدكتوراه ولا ماجستير، الشهادة التي نسعى اليها دوماً هي الشهادة في سبيل الله، ولا نسعى لشهادات تعلق على الجدران".
يكشف شقيق الجعبري في لقاء سابق بـ"الرسالة نت"، الجهاز الأمني سأل أبو محمد: "ساعة خروج شاليط، كم جندي من كتائب القسام تحرك؟
أجاب: "تحرك نصف الجيش للإخفاء والتمويه، ويبقى هذا السر بيد القائد العام أبو خالد الضيف محتفظاً فيه للأجيال".
لم يكتف الضيف بهذه السرّ فحسب؛ بل عمل برفقة الأسرى المحررين الذي أفرجت عنهم سلطات الاحتلال؛ وعلى رأسهم القائد السنوار؛ لسرّ لا يزال حاضرا في معركة طوفان الأقصى؛ الذي مثل أكبر عملية أسر لجنود الاحتلال في الداخل المحتل؛ بعدما قضت كتائبه على أقوى فرقة عسكرية في الجيش الإسرائيلي المسماة بكتيبة غزة.
وخلف القائد يحىى السنوار الشهيد الجعبري في مسؤولية العمل العسكري في المكتب السياسي العام لحركة حماس بعد الافراج عنه عام 2011؛ إذ انتخب مسؤولا عن الملف الأمني في الحركة بغزة؛ ثم ممثلا للجهاز العسكري في المكتب السياسي العام.
وتولى السنوار في وقت لاحق مسؤولية المكتب السياسي للحركة؛ بعد ارتقاء الشهيد القائد إسماعيل هنية؛ الذي قاد حركة حماس؛ وكان مسؤولا عن الحركة في غزة فترة التفاوض على الافراج عن شاليط.