عرضت فجأة على شبكات التواصل مقاطع فيديو لأشخاص يحملون جثامين أحبائهم وأجساد جرحاهم، يركضون على أقدامهم خوفًا من الطائرات التي لم تنتهِ من القصف بعد.
كان ذلك بعد منتصف الليلة الماضية، حينما قصفت طائرات الاحتلال مبنى بلدية النصيرات الواسع، والمليء بالنازحين، ومنزلاً بجانبه لعائلة الشيخ، وارتوت الأرض بدماء النازحين الأبرياء الباحثين عن النجاة في الأرض التي لا نجاة فيها.
مأوى آخر قد نسف، بين البيوت والمدارس التي بَقيَت جدرانها بندوب القنابل، بعد قصف لمرة أو مرتين، جعلت البيوت والمدارس والمآوى كلها متهالكة، بل رمادًا في بعضها نصبت عليه خيام نازحين، ثم استُهدِفت من جديد.
في النصيرات بالأمس، مربع سكني كامل في المدينة التي لا تتعدى كونها شارعًا، يكذب الاحتلال على العالم ويُدَعي لهم أنها منطقة آمنة، فيبتلع المنطقة بأكملها التي لا تتعدى مساحتها 10 كيلومترات.
هذا يعني أن المنطقة كلها لم تعد تحتمل كل هذا القصف المتواصل الذي يرتقي فيه عشرات المدنيين، على مدار 500 يوم، والمخيم الصغير المزدحم بالأرواح يقدّم من الشهداء عائلاتٍ كاملة دفعة واحدة.
40 شهيدًا ، وأكثر من 80 جريحًا، أكثرهم حالتهم حرجة، أقارب وجيران، ونازحون بعضهم بجانب بعض، سرق الاحتلال حقهم بالحياة والنجاة.
وصل إلى المستشفى جثث 33 فلسطينيًا في نفس لحظة القصف، بينهم عشرة أطفال وعدد من النساء، بالإضافة إلى حوالي 55 مصابًا، بعضهم في حالات حرجة جراء استهدافهم من الطيران الحربي الإسرائيلي. وما إن أشرقت الشمس حتى وصل عددهم إلى 36 شهيدًا، وأكثر من 80 مصابًا، ومع حلول المساء أصبح عدد الشهداء 40.
وقال جهاز الدفاع المدني في بيان مقتضب إن القصف الإسرائيلي استهدف مربّعًا سكنيًا يضم مبنى البريد الحكومي الذي يؤوي نازحين قرب مقبرة المخيم، ما أدى إلى استشهاد عائلتين وإصابة العشرات، بينهم نازحون.
وبحسب شهود العيان، استهدف جيش الاحتلال سلسلة من المنازل بأحزمة نارية عنيفة، مما أدى إلى انهيارها فوق ساكنيها، ومقتل وإصابة جميع من فيها، وذلك من خلال ما يسمى بالحزام الناري، وهو نيران طائرات تبدأ بقصف المنازل في الحي دفعة واحدة، فتنتهي وكأن الأرض ابتلعتها.
ومن جانبه، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة في بيان له صباح اليوم، إن الجيش الإسرائيلي ارتكب "مجزرة وحشية مروّعة راح ضحيتها شهيدا حتى الآن، غالبيتهم من عائلة الشيخ علي، وأسفرت كذلك عن أكثر من 84 مفقودًا ومصابًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن".
وأضاف: "أن الجيش كان يعلم أن هذا المربع السكني يضم عدة عمارات سكنية وتضم عشرات المدنيين والأطفال والنساء والنازحين الذين شرَّدهم من منازلهم وأحيائهم السكنية المدنية في ظل سياسة التهجير القسري الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال كجريمة ضد الإنسانية وجريمة مخالفة للقانون الدولي الإنساني".
وتابع: "نحمل إسرائيل والإدارة الأمريكية والدول المشاركة في جريمة الإبادة الجماعية، وخاصة المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا كامل المسؤولية عن استمرار التطهير العرقي والاستئصال، وارتكاب هذه المجازر ضد المدنيين في قطاع غزة".
طالب المكتب الإعلامي، ولا زالت غزة تطالب، بأن ينظر العالم بعين العدل إلى غزة، ومخيماتها، التي تُباد كل يوم عشرات المرات، دون أن يكون للإبادة معنى أمام العالم، الذي يبدو أن كل هذا الموت أصبح عاديا بالنسبة له، لكنه لم يصبح عاديا ولن يكون، بالنسبة لأهالي غزة العزل.