قائمة الموقع

النصابون يتسترون بقناع الشهامة

2011-03-07T08:53:00+02:00

الرسالة نت–  مها شهوان

"برز الثعلب يوما بثياب الواعظين", هكذا يتمكن النصابون من الاحتيال على الغلابة من الناس, فبملابسهم المنمقة وأسلوبهم الجذاب يدسون أيديهم في جيوب المتعطشين لتشغيل أموالهم بهدف الاحتيال.

 النصب بات له أساليب وفنون كثيرة "والشاطر اللي بيعرف يتقنها", ولم يعد مقتصرا على فئة معينة، فمؤخرا استطاعت موظفة حكومية الاحتيال بأسلوبها ومكانتها على أرامل الشهداء بمنحهم استمارة لوصف حالتهن الاقتصادية مقابل 500 دولار على أن تخرج لهن بطالة من الوكالة .

الموظفة الاربعينية تمكنت من النصب على نحو عشرين سيدة لكن في النهاية وقعت في قبضة الشرطة ولازالت التحقيقات جارية معها ، تلك القضية هي واحدة من عشرات القضايا لدى النيابة والمحاكم.

انتحال شخصية

وفي قضية أخرى نبشت عليها "الرسالة نت" حكاية شاب وفتاة انتحلا  أسماء مستعارة وشكلا خارجيا يخالف شخصيتهم الحقيقية ، فكلاهما زعما أن العوز دفعهما لانتحال شخصية اسماء موظفين يعملون في احدى الجمعيات الخيرية المعروفة بتقديم المساعدات.

اختار المحتالان أصحاب البيوت المتضررة من الحرب الاخيرة على القطاع عام 2009 وأوهموهم أنهم سيمنحونهم المساعدات الغذائية والمادية عوضا لما خلفه الاحتلال من أضرار مقابل تعبئة طلب بقيمة 200 دولار.

وجنا المحتالون بحسب اعترافاتهما لدى الشرطة ما يقارب الخمسين ألف دولار من البيوت المستورة ، إلا انه حينما قبض عليهما لم يكن معهما سوى نصف المبلغ الذي أعيد إلى اصحابه.

وفي هذا الصدد أرجع رئيس محكمة بداية غزة القاضي أشرف فارس ظهور حالات النصب والاحتيال في الفترة الأخيرة لرغبة المواطنين استثمار أموالهم من أجل الحصول على أرباح كثيرة، موضحا أن ذوي الضمائر الميتة يوهمون الناس بقدرتهم على جلب الأرباح لهم.

وطبقا لما قاله القاضي حول وجود النصابين فقد تحدث قانون الجزاءات الفلسطيني عن أن الحصول على اموال بطريقة النصب او الخداع تعتبر جناية وحكمها بالحد الأقصى خمس سنوات ، وكذلك يعد انتحال الشخصية جريمة يعاقب عليها قانونا لاسيما في الحصول على الأموال بطريقة الخداع.

 أثناء إعداد "الرسالة" لمادة التحقيق صدمت بعدد كبير من قضايا نصابين - في المحكمة - انتحلوا شخصيات وهمية, وفيما يتعلق بذلك يقول القاضي فارس :"هناك أعداد كبيرة من المواطنين باتوا يعتمدون على المساعدات والمنح بعد حرب الفرقان ، الأمر الذي دفع أصحاب النفوس الدنيئة لانتحال شخصيات موظفين حكوميين يعملون في حصر المحتاجين بهدف نهب أموالهم ".

وجاءت دعوة من رئيس محكمة بداية غزة لكل من تعرض لمثل هذه الأفعال بتقديم شكوى للجهات المختصة لتتخذ بدورها الإجراءات .

وحول كيفية إرجاع الأموال لأصحابها يقول فارس:" يسعى المتهم أثناء توقيفه إرضاء المجني عليه وإرجاع جزء من امواله المتبقية لديه ، ولا تخفف العقوبة عنه الا اذا احضر سند مصالحة من المجني عليه".

وبحسب القاضي فإنه في الوقت الذي يكون قد صرف المحتال المال يتم حجز أي شيء يملكه من مال أو عقار، مبينا أنه في حال أرجع جزءا من المال يخفف الحكم عنه.

لكن هناك من يشتكي من إخلاء سبيل عدد من المحتالين دون أن يأخذوا عقابهم اللازم الأمر الذي يؤدي إلى تماديهم في نصبهم واحتيالهم وردا على ذلك يقول فارس:" ينظر للمتهم على انه مدان من جهات قانونية لكن يحكم له بالبراءة حال عدم وجود أدلة ضده ".

ونصح كل شخص لديه مال بإيداعه في الموطن السليم ، ومن لم يستطع استثماره بنفسه عليه بإيداعه بأحد البنوك المعتمدة في القطاع.

ودعا القاضي المحتالين إلى العودة لرشدهم لأن كل متهم في النصب تسجل له سابقة تحرمه من التوظيف وتنقص من حقه في ممارسة حياته كمواطن عادي .

مطامع نفسية ومادية

الشابة زينة 32 عاما ذات جمال وعلم راحت ضحية والدها الذي يقضي جل وقته ما بين النصب وشرب الخمر قاضيا على مستقبل بناته في الزواج لسمعته السيئة .

تحدثت الابنة "للرسالة" عن تجربتها وما أن شرعت بالحديث حتى أحنت رأسها خجلا من حكايتها قائلة:" إذا طرق احد بابي للزواج لا يعود فور علمه باسم أبي ،وفي إحدى المرات تقدم لخطبتي شاب وحينما جاء موعد قراءة الفاتحة أحضر عمه الذي ما أن رأى والدي  حتى قال للعريس" بدك تتجوز بنت نصاب " ، متابعة حديثها بانكسار:" عم العريس نظر إلي نظرة دونية وكأنني شريكة والدي في الاحتيال مما سبب الى الالم" .

وروت زينة أن لها ثلاثة اخوات واخ شاب لم يتزوجوا بعد لسمعة والدهم التي تنفر كل من يحاول الاقتران بهم ، بالإضافة إلى أن اهل الحي الذي يقطنون فيه باتوا يلقبونهم "بأولاد النصاب".

الأخصائي النفسي د. فوزي أبو عودة اعتبر النصب والاحتيال مرض اجتماعي يرجع للجانب التربوي داخل البيئة التي يعيشها الإنسان وكيفية تعامل والديه معه ، لافتا إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورا في إظهار النصابين وكأنهم أبطال مما يدفع المشاهد المنحرف لتقليدهم .

وأشار إلى أن المحتال لديه مطامع نفسية تدفعه لإظهار نفسه أنه بارع وخارق الذكاء يستطيع فعل ما يريد وتخليص نفسه من مشكلات قد يقع بها الآخرون ، بالإضافة إلى مطامعه المادية بالسيطرة على أموال الغير.

ويصف أبو عودة النصابين أنهم مرضى نفسيين لابد من معالجتهم كي لا يعيثوا في الأرض فسادا ، وبالرغم من مرضهم النفسي إلا انه لا يمكن إنكار وجود قدرة عقليه لديهم لابد من استغلالها جيدا.

البعض يرى أن ضعف العامل الاقتصادي يفرض وجود نصابين في المجتمع وحول ذلك يقول الأخصائي :"لو قمنا بدراسة تفحصيه لأدركنا أن اغلب النصابين من الأغنياء فإذا كان لديهم جبل مال يبحثون عن الآخر لذلك لا يملي عينهم إلا التراب ليزداد جشعهم بالمقدار المالي الذي يمتلكونه".

وبحسب أبو عودة فإن النصب والاحتيال جريمة اجتماعية لها آثار سيئة على المحتال فهي تلطخ سمعته وعائلته وتكبح علاقات الأسرة الطيبة وتصبح منبوذة، بالإضافة إلى أن انتشارهم يفقد الثقة داخل المجتمع مما يؤول إلى زعزعة الثقة بين أفراده .

الكثير من الفتيات يبقين دون زواج لسمعة أحد أفراد أسرتهن  مما يعزف الشباب عن طرق أبوابهن، وعن ذنب الفتيات في ذلك يقول أبو عودة :" في ظل وجود الفتاة ضمن عائلة ليست سوية تبقى منتظرة أن يأتي زوج ينتشلها من الحياة المر التي تعيشها ، لذا لابد من رحمة تلك الفتيات وعدم أخذهن بذنب أهلهن".

في حالات النصب والاحتيال لا يمكن إلقاء اللوم على الجاني بل فإن هناك بعض الأشخاص يطمعون بزيادة مالهم بأية طريقة دون إدراك العواقب لينطبق عليهم المثل " طمع البني ادم من بخت الحرامي" وفيما يختص بذلك يقول :"الجشع يؤدي للانجراف نحو الهاوية مما يجعل البعض ينظر للربح السريع والقريب دون ادراك عواقب العلاقات مع النصابين .

النصب عبر الانترنت

التكنولوجيا أيضا ساعدت على النصب والاحتيال فقد تعرف شاب من قطاع غزة على فتاة كويتية ميسورة الحال، توطدت العلاقة بينما وبدآ يتبادلان أطراف الحديث يوميا حتى وثقت به وأرسلت صورها له.

وعندما شنت "إسرائيل" حربها على القطاع تعاطفت الفتاة مع المتضررين وأرسلت لصديقها أموالا ليقدمها للمحتاجين لكنه كان يستولي عليها دون علمها ،وذات يوم زعم الشاب أن هناك محتاجين يطلبون مساعدات مالية لعوزهم الشديد، وعندما اعتذرت له بعدم توفر المال لديها، ثار الشاب مهددا إياها بالصور التي أرسلتها إذا لم ترسل المال في غضون أسبوع.

لم تقابل الفتاة ثورة الشاب بالخوف بل تمالكت نفسها وقدمت شكوى للنائب العام بغزة حتى عثر عليه ونال عقابه فكان عبرة لكل من سولت له نفسه بالنصب والاحتيال عبر الانترنت.

هناك اتهامات توجه إلى المحامين أنهم يقدمون الحلول السحرية لإخراج موكليهم النصابين من السجن دون اخذ العقاب على جريمتهم وردا على ذلك أجاب المحامي مروان الجديلي :" حينما يلقى القبض على المتهم وتتخذ كافة الإجراءات القانونية من حق المحامي تقديم طلب كفالة ، وفي حال اقتنعت المحكمة سيفرج عنه حسب البيانات والشهود لكن هذا لا يعني إنهاء القضية"، متابعا: بعد الإفراج عن المتهم بكفالة تقدم النيابة أدلتها وفي المقابل يدافع المحامي عن موكله .

وأضاف :" لا يمكن أن يحضر متهم ويقول لمحاميه أنه مذنب ، وإذا اعترف يبرر فعلته بأنه ارتكبها بحسن نية "، متابعا: أي محام يخاف الله لا يدافع عن الأشخاص الذين يشوهون صورة المجتمع.

وحول اغلب أنواع قضايا النصب التي مرت على المحامي الجديلي ذكر أن هناك كثيرا من المحتالين يحملون شيكات لإيهام الآخرين أن لديهم أموالا في البنك ،مناشدا سلطة النقد والبنوك بعدم منح دفتر شيكات لأي شخص ليس له رصيد في البنك.

السحر والتنجيم للاحتيال

واشتكى محامون قابلتهم "الرسالة" بين أروقة المحكمة العليا بغزة من وجود واسطة في النيابة فهناك بعض النصابين يلقى القبض عليهم لساعات ومن ثم يخرجون بخلاف سجناء آخرين لا واسطة لهم "يتختخون في السجن" بحسب وصف المحامين.

وضعت "الرسالة" تلك الشكوى على طاولة النائب العام محمد عابد حيث نفى ما ورد قائلا:" من يتحدث عن ذلك عليه تقديم شكوى وسأطلع عليها وان كان لديه الحق فليأخذه"، داعيا في الوقت ذاته المحامين إلى مراجعة أنفسهم والعمل في إطار الواجب الوطني وبذل جهودهم في الكشف عن الحقائق.

وأفاد أنه حينما تحاط النيابة بواقعة نصب تجري التحقيقات حسب الأصول ومن ثم تتخذ إجراءات التوقيف ليعرض المتهم على القضاء، مشيرا إلى أن ما يضبط مع المتهم أثناء القبض عليه يعاد لأصحابه ،بالإضافة إلى أن المدان لا يلغي حق المتضرر بالمطالبة بكامل حقه.

وكشف النائب العام عن أن بعض النصابين يلجئون لاستخدام السحر والتنجيم للنصب والاحتيال على المواطنين ، إلى جانب بيع أراض عن طريق النصب، مؤكدا في الوقت ذاته أن هذه حالات محدودة.

وأشار إلى أن جرائم الاحتيال باتت متقدمة لما فيها من فنون جديدة تحتاج لخبرة وكفاءة ممن يمارسها، منوها إلى أن اغلب المجرمين يخرجون أنفسهم قانونا من التهمة الموجهة إليهم من خلال بعض الأدوات التي يستخدمونها كالمحامين أو الأطباء النفسيين .

وارجع وقوع بعض الأشخاص المحتاجين في شباك النصابين إلى عوزهم الاقتصادي وقلة وعيهم مدللا على قوله بقضية لازالت التحقيقات تجري فيها حاليا ، فتفاصيلها تعود لست شهور ماضية حيث استغلت مجموعة من الأشخاص من بينهم اكاديميون وأصحاب مكانة محترمة عوز الناس بإيهامهم أنهم سيستثمرون أموالهم في الخارج لتدر عليهم الربح الوفير، إلا أنهم وبعد شهر من عملية النصب يعطونهم جزءا قليلا من المال بحجة أنها أرباح وذلك على مدار شهرين متتالين مما جعل الناس تستبشر خيرا في تحسين وضعهم المالي لكن ما أن حل الشهر الثالث حتى اختفى المحتالون ،الا أنه سرعان ما كشف الغطاء عنهم .

النيابة تبذل جهدا في الوصول للمتهمين والتحقيق معهم ليأخذوا عقابهم القانوني ، لكن بحنكة المحتالين وموكليهم يخفف القضاء الحكم عنهم وحول رأي النيابة في ذلك قال النائب العام:" القضاء والنيابة جسم قضائي واحد ،فالأخيرة  تباشر التحقيق والاتهام والقضاء يحكم وفق قانون الإجراءات الذي يكفل الحقوق للطرفين سواء النيابة أو المجني عليه الواقع عليه الحكم ومن حق الأطراف الاستئناف " .

قبة الوعي الديني

وللشريعة الإسلامية رأي في النصب والاحتيال. مدير دائرة النصح والإرشاد في وزارة الأوقاف د.يوسف فرحات أكد "للرسالة" أن الشريعة تنظر بعين الخطورة لقضية النصب باعتبارها اعتداء على أموال الناس، مشيرا إلى أن الإسلام دعا إلى حماية الأموال وعدم أخذ مال الغير بطرق غير مشروعة من خلال فرضه للعقوبات الصارمة كما يرى الحاكم.

وذكر فرحات أن من عوقب بالدنيا تسقط عنه عقوبة الآخرة ومن هرب من عقوبة الدنيا فأمره إلى الله وسيدخل تحت طائلة الوعيد في الآخرة ، لافتا إلى أن القرءان والسنة توعدا النصابين لإحداثهم خرقا في سفينة المجتمع .

أمام القضاء يتمكن بعد المحتالين من إخراج أنفسهم من القضية كالشعرة من العجين ، ويخسر المجني عليه قضيته في الوقت الذي لا يتمكن القضاء من فعل أي شيء لعدم وجود الأدلة الكافية ضد المدان وعن رأي الشريعة الإسلامية في ذلك يقول مدير دائرة النصح والإرشاد:" هذه صورة من صور التزوير وسيتحمل المحتال المسئولية يوم القيامة "،مضيفا : قلة الوعي والوازع الديني جعلت الأشخاص يتمادون دون مخافة الله.

وسيستمر النصابون الذين لا يخشون الله بالتستر بقناع الشهامة وافتراس الأيادي المحتاجة التي تمتد إلى لاشيء أملا في الحصول على ما يكفل لهم حياة يومهم.

 

اخبار ذات صلة